الكرامة الحسينية

آداب شهر المحرم

imageالسبت  ٢٩ ذي الحجة ١٤٣٥ اداب شهر محرم

اللهُ يا شهرَ المحرَّمِ ما جرى فيه على آلِ النبيِّ الأنزع
اللهُ من شهر أطلَّ على الورى بمصائب شيَّبن روسَ الرضَّعِ
شهرٌ لقد فُجع النبيُّ محمَّدٌ فيه وأيُّ موحِّد لم يُفْجَعِ
شهرٌ به نزل الحسينُ بكربلا في خيرِ صحب كالبدورِ اللُّمَّعِ
لَكِنَّمَا البَارِي أَحَبَّ لِقَاءَهُم فَغَدَوا على البَوْغَا بِأَكرَمِ مَصْرَعِ
فتلألأت منها الربوعُ بنورِه وعلت على هامِ السماكِ الأرفعِ
وَبَقَى وَحِيدَاً بَعْدَهُمْ سِبطُ الهُدَى يَنعاهُمُ أَسَفَاً بِأَشرَفِ مَدْمَع

مقبلون على شهر الحسين ( عليه السلام )، نسترجع مع بداية السنة الهجرية ذكرى كسوف شمس البشرية ، مصيبة ابكت السماء وسكانها قبل ان تبكي الأرض وعمارها ، فالمصيبة عظمى والخطب جلل ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون .. فلتعد العيون للبكاء والنحيب ، ولتعد الصدور للطم والانين ، وسبحان الله كيف ان شهر المحرم بهذه المظاهر الحزينة صار شهرا يحيي النفوس ، بنشر سواده الذي يحيي ميت البلاد ، وبدموعه واناته واهاته التي تحيي النفوس والقلوب ، فسبحان الله ما رأينا سواد وكآبة وحزنا تخفي في باطنها حياة وروح وقيام ونهضة كحزن الحسين ( عليه السلام ) …

فالسلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور . السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اصحاب الحسين وعلى اولاد الحسين “.

عن الرضا ( عليه السلام ) :”كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين ( عليه السلام )”
مع إطلالة شهر محرّم الحرام تتجدَّد الجاذبية الخاصة للإمام أبي عبد اللَّه الحسين ( عليه السلام ) لتأتي بالناس من كل حدب وصوب ولتمتلئ المجالس العاشورائية بشكل لا تعهده مناسبات أخرى. وهذا ما يثقل المسؤولية على كل منا في الاستفادة من هذا الموسم المبارك .

وبشكل خاص حينما نعلم ان هذه الجذبة الروحية التي اتت بهؤلاء الناس الى هذه المجالس ليست شيئا من صنع الانسان ، بل هو فعل الهي ، فالله تعالى هو من جعل في قلب المؤمن هذه الجذوة التي تشتعل ،

كما ان الله تعالى اكرمنا بشهر رمضان ، وجعل له أجواءه الخاصة من ” انفاسكم فيه تسبيح ونومكم عبادة ” ، كذلك هو الذي جعل حرارة للحسين ( عليه السلام ) في القلوب بحيث لا يرى المرء سبيلا لابرادها الا بالتقرب من مجالس ذكر الحسين وال الحسين ( عليه السلام ) .
وكأن هناك رحمة الهية ، وتسيير الهي للافكار والمشاعر من اجل تفعيل الانسانية حتى تتحرك باتجاه سيد الشهداء ،
وحينما يقول الامام ( عليه السلام ) :” نفس المهموم لنا تسبيح ” فما اعجب الشبه بين هذه الانفاس وتلك الانفاس ، وهذه العبادة وتلك العبادة ” .
نحن نعلم ان الله تعالى يريد من الانسان امرين : روحا عالمة ، وعاملة ، كما يمدح المؤمنين ( الذين امنوا وعملوا الصالحات ) ،
والروح العالمة بالله تتالق في معرفة الله ومحبته ، والتوله اليه ومعرفته ،
لذا انعم علينا بال العصمة والطهارة وهم نماذج تجسد اسماءه وصفاته ،
وجعل نوره ” الله نور السموات والارض ” ” في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ” ، بحيث يرى الناس اسماءه تعالى وصفاته من خلالهم صلوات الله عليهم يرون فيهم قمة الفضائل والكمال ، فيحبونهم وينجذبون اليهم ، كما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : “إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منا وإلينا”(
واما الروح العاملة فهي تلك التي فهمت مسئوليتها وان عليها حمل الامانة الالهية التي عجزت عن حملها السموات والارضين والجبال ، فهي دائمة التفكير لماذا خلقت وما هي مسئولية الخلق وماذا يمكن ان تفعل لتؤدي هذه المسئولية .
وسبحان الله كيف ان هذه النعمة الالهية التي تتجسد بحزن شهر المحرم تعين المؤمنين على القيام بهذين الدورين ، فهي من جهة تلهب القلب بحرارة وعاطفة حزن الهي رفع الله قدره بحيث جعله ثأره المرتقب على يد وليه صاحب العصر والزمان ، وهي حرارة وعاطفة جياشة تكون بدرجة زلزال يرفع عنه ما ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون .

ثم يوجه الامام السجاد ( عليه السلام ) الى كيفية الاستفادة الروحية النموذجية من الحزن على سيد الشهداء فيقول لابن شبيب :” يا ابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب ع فإنه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيه ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله “.

ان كنت باكيا فابك الحسين : تعني بعنوان واضح ( اوقف عواطفك للحسين ولهموم الحسين ) فان عواطفك ودموعك اغلى من ان تذرف لاي سبب او موضوع ، ان كنت باكيا فابك قضية مهمة شغلت قلب رسول الله وال بيت النبوة ، وجعله الله ثأره العظيم ، هو الموضوع الاهم الذي يفترض ان يستحوذ على قلبك ، بحيث لا يحترق قلبك بالحزن الا له ، والاحزان المتفرعة منه .

واما الروح العاملة فهي التي تفكر وتتامل وتعيد حساباتها ومراقباتها لنفسها من خلال عاشوراء ، فما هو الضامن الا تكون هذه النفس ضمن الامة التي قتلت الحسين ورضيت بذلك ، وكيف ينحرف الانسان بحيث يعاهد إمامه ثم يخلف هذا العهد ، ثم يتسافل في انحرافه بحيث يسمع بقتله ويرضى بذلك ، بل قد يتسافل اكثر بأن يشارك في قتله .
من يتأمل ويفكر في التاريخ يعرف ان خلاصة حياة البشر تتلخص في محورين : ان سبب تفرق الناس عن علي وأولاده ع رغم أنهم أئمة يدعون الى الجنة ، ولكن لان طريق الجنة دائما كما ورد في الرواية محفوف بالمكاره. والتف الناس حول اعدائهم رغم انهم ائمة يدعون الى النار ولكن لان طريق النار محفوف بالشهوات،

ولان اكثر الناس كما يقول القران ” واكثرهم للحق كارهون ” ويخاطبهم بأن ” وتودون ان غير ذات الشوكة تكون لكم ” لذلك فهم يعانون من قصر في النظر ، لا يرون اكثر من مسافة قصيرة امامهم ، فلا يرون ما هو خلف هذه المكاره ولا ما وراء تلك الشهوات ، فتراهم يفضلون هذه الشهوات ويلتفون حولها ، ويكرهون تلك المكاره ويتجنبونها .

وهذه هي قصة الحياة المتكررة في كل زمان ومكان ، جبال من شهوات خلفها غضب الهي ، وجبال من مكاره خلفها الرضا ، واكثر الناس يتوجهون لما يرونه مريحا لهم .

من كلمات السيد الامام الخميني ( رض ) المعروفة أن الذي صان الإسلام وأبقاه حياً حتى وصل إلينا هو مصاب الإمام سيد الشهداء ع في عاشوراء، لانه بعثة للفكر من جديد ،استمرارا لبعثة النبي والسيدة الزهراء وامير المؤمنين ومولانا الحسن ص ،
لذا نقول في زيارة عاشوراء : الحمد لله على عظيم رزيتي ،هي رزية عظيمة ومصيبة كبيرة ولكنها نعمة في الواقع تستحق الحمد والشكر الجزيل ، إذا راينا كم من المنافع والبركات ظهرت من جراء تكرار إحياء مراسم عاشوراء . كم من الناس تعرفوا على المذهب الحق وكم من المنحرفين اهتدوا إلى طريق الهداية ، كم من الغافلين حرك وجدانهم مصاب الامام ، فالحسين ع واقعا هو سفينة النجاة ومصباح الهدى .

هو ( صلوات الله عليه ) سفينة النجاة على المستوى الروحي كما تبين ، وهو ع سفينة النجاة على المستوى الاجتماعي ، فهذه الانسانية التي نمت في من وعى وادرك حزن سيد الشهداء ، اجل من ان تجعل قضية الامام الحسين جزءا من التاريخ ، بل هذه الحرارة الحسينية لها امتدادها الازلي الابدي تستقى من منبعها لترفض الظلم في كل مكان وفي كل عصر ،
وترى انه لا يمكن التفكيك بين معركة الحسين ع في وجه الظالمين في عصره ومعركتنا في وجه جرثومة الفساد في هذا العصر اسرائيل والتكفيريين والاستكبار العالمي . ما دمنا ندعي انه ليس شعارا ان ( الحسين ممتد عبر الزمان ) .
فنحن نحارب مع الحسين اليوم الصهيونية والتكفيريين ، ونقف خلفه في الحروب الاعلامية والفكرية .

لذا ذلك الحضور في المجلس الحسيني هو حضور الفكر والعقل من خلال العاطفة المتحركة ، للوصول الى القرار الحسيني الرهيب ” اني اريد الإصلاح في امة جدي وابي ” ، ” لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد “.

بناء على ذلك فإن مثل هذا الناصر الذي وصلت به الانسانية الى هذا المنعطف ان اوقف مشاعره على ال البيت ، ووجه عقله وقلبه ليكون مستمعا متادبا بين يدي سيد الشهداء ، لن يحتاج لاحد ان يعرفه بمسئولياته في كيفية حضور المجالس الحسينية ، ابتداءا من الشكل العام الذي ينبغي ان يظهر فيه الحزن ، لانه كاشف عما في داخل النفس ، مرورا بسلوكه داخل المجلس ثم خارجه ،

وحينما يقول الامام الرضا ع : “كان أبي ( الامام موسى الكاظم ) إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ”
بل الامر يتعلق باكثر من شهر المحرم ليشمل طول العام ، فقد ورد عن اصحاب الامام الصادق ع قال :” ما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله في يوم قط فرئي أبو عبد الله عليه السلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل وكان أبو عبد الله ع يقول:” الحسين عبرة كل مؤمن”

فيظهر من الرواية ان الامام يريد ان يشير الى اداب مهمة للموالي خلال الايام العشرة الاولى من شهر المحرم ، وهي ابراز الحزن ، ولكن الرواية يبدو انها تشير الى معنى اعمق ، لان الامام مظهر لارادة الله ، وهو امام الوجود ـ فحينما يغلب عليه الحزن كل هذه الايام بحيث لا يرى ضاحكا ، فالمسألة اذن تحكي قصة حزن مطبق على الكون ،

ويظهر هذا الحزن من خلال رواية الامام الصادق ( عليه السلام ) سأله سائل :سيدي جعلت فداك ، ان الميت يجلسون له بالنياحة بعد موته او قتله وانتم تجلسون من اول الشهر بالمأتم والعزاء على الحسين ( عليه السلام ) فقال ( عليه السلام ) : يا هذا اذا هل المحرم نشرت الملائكة ثوب الحسين وهو مخرق من ضر بالسيوف وملطخ بالدماء فنراه نحن وشيعتنا بالبصيرة لا بالبصر فننفجر دموعا .”
فهي قافلة كونية تشمل كل المخلوقات تبكي لبكاء امامها وتتفجر حزنا للحزن الكبير في قلبه ، وفي هذا البيان خطاب غير مباشر للمؤمن وتنبيه له الا يخرج عن هذا الحال الكوني الجامع ، فيشذ عن المسير الكوني .

مثلنا تخاطب الآية الإنسان :” يسبح له ما في السموات وما في الأرض العزيز الحكيم ” فهي في عين الوقت التي تخبر عن تسبيح شامل لكل المخلوقات في الكون ، فهي خطاب غير مباشر تحذر الإنسان من أن يسبح عكس التيار فلا يشارك في طواف التسبيح الكوني هذا ليعيش شقاء الغربة عن الكون .

فخطاب الامام غير المباشر في حال الحزن دعوة للناس للانضمام الى قافلة الحزن الكونية خلال هذه الايام الحزينة

والقران الكريم في الوقت الذي يحرص في التربية الالهية للبشر ان يكون الله ورسوله احب الى الانسان مما سواهما حتى نفسه ، (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله فتربصوا حتى ياتي الله بأمره ” بالدرجة التي يحذر فيها من التساهل في ذلك ،

فالدلالة الالتزامية للمعنى
ان يكون الحزن المتعلق برسول الله يفترض ان يكون اكبر من احزان الانسان الشخصية ، ولا بأس في المرحلة التدريبية لا اقل ان يتعود المرء على ان يكون عادلا في الموازنة بين احزانه الشخصية وبين الحزن على ال بيت النبوة ص .

وكما ان الرواية تنص :” لا يكن يوم صومك كيوم فطرك ” ، لان يوم الصوم متعلق ليس فقط بالامتناع عن المفطرات ،بل هناك اداب للصوم ، كذلك لسان الحال في الاية يقول لا يكن شهر محرمك كسائر الشهور .

بالتالي… كل موالي مسئول في كيفية اظهار هذه الولاية ، وليس الامر كما يقال ان الكل حر في كيفية اظهار الحزن على الامام لان هذا الامر مقيد بقول الامام ع ” كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا “

فمن يجعل حزنه وذرف الدموع بل لطم الصدور مقصورا على فترة المجلس فقط حتى اذا انتهت قام الى التحية والسلام والحياة الاعتيادية التي يقوم بها اي انسان غير حزين ..او حينما ينتهي عزاء يوم الثالث عشر ، يتعامل وكانه طوى ملف الحزن تماما رغم انه يوم بداية مشوار الاسى والحزن على موكب النبوة . او حينما تنحصر شعائر الامام في موسم المحرم في مظاهر اقرب الى كونها ( كرنفالية ) ..فهذا يعني وجود خلل في ماهية الحزن على سيد الشهداء ..

يفترض استحضار النفس في توجهها الى المجالس الحسينية ، أن المُعزّى هو رسول الله ص وأمير المؤمنين والزهراء وأهل البيت ع ، ونفس استحضار الامر بقوة كفيل ان يوجه الروح ولاسلوك الى صراط مستقيم ،

لان هذا الحزن متعلق بيوم يقول عنه الامام الرضا :ان يوم الحسين اقرح جفوننا واسبل دموعنا ” ، تقرحت له عيون الطاهرين واسبلت دموع الطيبين

الامام زين العابدين ع :” ولا يوم كيوم الحسين ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه وهو بالله يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا “.

اصل استحباب اقامة العزاء على سيد الشهداء من اجل ان نبقي انفسنا في جو هذه الروح الحسينية لنحشر يوم القيامة في موكب الحسين حيث تتقدمنا راية حمراء تشهد لنا بالجهاد في سبيل الله فياليتنا كنا معكم ابا عبد الله فنفوز فوزا عظيما
لبيك داعي الله إن لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري ، وهذا لسان حال شيعة الحسين في كل زمان ومكان ،ملبين مستعدين للنصرة الحسينية المتمثلة في النصرة المهدوية لإمام زمانهم ..

مقبلون على العشرة التي قتل فيها الحسين ع ، ويستحب الصيام في اوله لما ورد انه اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه هذا ونحن في ماتمه الذي هو لاشك انه من مواطن الاجابة فما محراب زكريا بأشرف من مجلس يحضره رسول الله والائمة الطاهرين
نعم إنهم يحيون هذه المجالس ويحضرونها كما اخبروا ..وكاني بفاطمة الزهراء معنا كما اخبر إمامنا الصادق ما اجتمع اثنان على مصاب جدي الحسين إلا وكانت جدتي الزهراء ثالثة لهم فهي حزينة لابسة السواد ومعها قميص الحسين تخاطبه

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى