الكرامة الحسينية

الإمام الحسن (ع) سَمِيُّ السماء (١) – ٦ صفر ١٤٤٤هـ

الإمام الحسن (ع) سَمِيُّ السماء (١) – ٦ صفر ١٤٤٤هـ

عناصر الحديث

  مصطلح السماء في القرآن الكريم ( وفي السماء رزقكم وما توعدون)

  إلهية العلاقات في البيت النبوي الشريف

  دلالة تسمية الله تعالى أحداً من الناس

  بعض تجليات الحُسْن في حياة الامام الحسن

  (أما الحسن فله هيبتي وسؤددي) : معنى المهابة وكيف تحصل في الإنسان

ورد في الخبر في ولادة الإمام الحسن أن الصديقة فاطمة الزهراء لما ولدت الحسن قالت لعلي ع : سمه فقال: ما كنت لاسبق باسمه رسول الله فجاء الإمام رسول الله بالوليد الصغير، فاذن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى، ثم التفت الى أميرالمؤمنين قال ما سميته يا علي؟ فقال: ما كنت لاسبقك باسمه، فقال : وما كنت لاسبق باسمه ربي عزوجل . فنزل جبرئيل فقال(إن الله يقول : سمه حسناً اشتققته من اسمي فأنا المحسن وهذا حسن فسماه النبي بالحسن) فجاء اسمه من عالم الغيب.

“الإمام الحسن   سَمِيُّ السماء” أي أن تسميته المباركة جاءت إلهية من الله تعالى،

وحينما يطلق عليها أنها تسمية السماء، فهذا مرجعه إلى الآية الشريفة :” وفي السماء رزقكم وما توعدون “،

ورد في اللغة أن السماء هي جهة العلو، وأن (كل ما علاك وأظلك فهو سماء  فالمقصود من السماء في الآية عالم الغيب، فإن الأشياء ومنها الأرزاق تنزل من عند الله سبحانه. والمراد بالرزق كل ما ينتفع به الإنسان في بقائه سواء مادياً كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن، والولد، والعلم، والقوة، أو الأمور المعنوية كالهداية، والرحمة، والتوفيق الإلهي، وكذلك التسمية للأشياء والأشخاص.

و قد صرح القرآن بهذا المعنى في عدة أمور كقوله تعالى:” و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج“، وقوله تعالى:” و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد“، ومرجع تعبير الإنزال في القرآن الكريم هو الخزائن الإلهية، كما في قوله تعالى” و إن من شيء إلا عندنا خزائنه، و ما ننزله إلا بقدر معلوم“،

والعائلة النبوية قد أحيطت بهالةٍ واضحةٍ من العناية الإلهية بحيث يصدق عليها أن هناك اصطفاءً إلهياً كما ذكر في القرآن الكريم في ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)،

ثم ذكر أن نبي الله إبراهيم جعله الله تعالى إماماً، وقد طلب النبوة في ذريته، وقد استجاب الله تعالى له في ذلك فقال (وجعلها كلمة باقية في عقبه)، فجعل الإمامة في ذريته من جهة اسحق في قوله تعالى (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا)، وكذلك من جهة اسماعيل، بالأئمة الاثنا عشر .

  هذه العناية الإلهية كانت واضحة عند الصحابة بدلالة ما نقله علماء السنة مثل السيوطي في تفسيره الدر المنثور حينما نزل قوله تعالى:” في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه“. فسألوه أي البيوت هي؟ فقال أنها بيوت الأنبياء، فسألوه ثانية، فقالوا: وبيت علي وفاطمة منها؟ فقال هي من أفاضلها ).

وفي الرواية إشارة جلية إلى وضوح مقام آل بيت النبوة عند الصحابة، فإن كون هذا السؤال قد خطر في بالهم فهو من شواهد أن الصحابة كانوا يرون لآل بيت رسول الله شأن عظيم.

مثل هذه الروايات تؤيد أن أهل هذا البيت لهم علقة مع الله جل وعلا وعالم الغيب، بدرجة أن ترتيب أمور حياتهم التفصيلية يتم من خلال التواصل مع عالم الغيب، وعالم السماء،

وهذه العناية الإلهية ظهرت في عدة معالم، منها أصل ولادة الصديقة الزهراء من تفاحة الجنة، كما قال النبي اذا اشتقت الى فجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة، ثم زواجها من أميرالمؤمنين كان إلهيا، حينما تقدم جمع من الصحابة لخطبة السيدة الزهراء فرفض طلبهم، ثم زوجها بعلي ، وحينما توجهوا بالعتب على النبي في رفضه لهم وقبوله بعلي ، فقال ما زوجته، ولكن الله زوجه“.

وفي رواية أخرى: هناك إضافة لجبريل : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون ، قال : وماكان اسمه ؟ قال : شبر قال : لساني عربي قال : سمه الحسن فسماه الحسن .  

وارتباط تسمية ابناء أميرالمؤمنين بأبناء نبي الله هارون له دلالة جميلة مرتبطة بالرسالة ، لها جذورها القرآنية، فهذا الأمر الإلهي بالتسمية يشير أن (علياً منك يا رسول الله بمنزلة هارون من موسى) كما روى كل المسلمين ، وكل شيء ثبت لهارون ثبت لأميرالمؤمنين ماخلا النبوة التي نفاها الرسول  ،

وورد في القرآن الكريم في قصة نبي الله موسى :” واجعل لي وزيراً من أهلي .هارون أخي .اشدد به أزري .واشركه في أمري ) فعلي هو هارون النبي في وزارته وهو هارونه في شد الازر، وهو هارون في محنته، وفي اشتراكه معه في الدعوة، وهو هارون حتى في تسميته أولاده ما خلا النبوة.

إذاً، الحسن سَمِيُّ السماء بمعنى أن اسمه إلهي. وفي إشارة إلى أن هذا الوجود الطيب هو تجسيد لأسماء الله تعالى، لذلك ورد في الفقه أن اسماء المعصومين تلحق على الاحوط الأولى باسم الجلالة في حرمة مسها بدون طهارة .

لكن، ما معنى أن يسمي الله تعالى شيئاً، أو بتعبير آخر : ما معنى أن تختار السماء اسما لهذا الوليد؟

الناس في اختيار اسم (نور ) مثلاً للوليدة الصغيرة، أو (كريم) للطفل الصغير، فهناك أمنية ورجاء وتطلع وتيمن في قلوبهم أن تكون هذه البنت بمثابة النور في حياتهم، أو الولد كريم النفس في حياته وأخلاقه،

بينما حينما يسمي الله تعالى أحداً، فلا شك أن مثل هذا الأمر لا يكون أمراً عبثياً دون فائدة، فالله تعالى منزه عن العبث، الله سبحانه حينما يتولى قضية تسمية الوليد المبارك بالإمام الحسن ، فهذا يفتح أمامنا الكثير من الدلالات:

أولاً : قوله فعله:

إن الله جلت قدرته حينما يسمي الأشياء، فليس بمعنى أنه يضع عليها لفظاً، بل يسميها أي يَسِمُها بمعنى يضع عليها علامة، ويجعلها هي السمة، كل الأشياء لها اسم ولها مسمى، رب العالمين يعطي المسمى، وليس الاسم، فلا يسميه باللفظ ولا العبارة ولا المفهوم، إنما كما يقول أميرالمؤمنين :” انما قوله فعله ، ليس بصوت يسمع ولابنداء يقرع .

ففي قوله تعالى (اخسئوا فيها ولا تكلمون )، فهي ليست عبارة تصدر يسمعها أهل النار ، بل هو فعل تكويني أي ينزلهم في قرار وقعر جهنم، أو حينما يقال لأهل الجنة (كلوا ما شئتم فيها ولدينا مزيدفليس أمراً صوتياً بالأكل، وإنما إعطاء سعة وجود، ومن هنا، فكلام الله تعالى هو فعل الله، ( إنما قوله فعله ).

لذلك حينما يسمي الله تعالى الإمام الرضا مثلا بالرضا، فهو يجعله تجسيداً لمقام الرضا ولاسمه تعالى الرضا في هذا الكون وكل الوجود، ولذلك حينما قيل للإمام الجواد  أن اسم الرضا قد أطلق عليه لأن المأمون رضيه ولياً للعهد ، قال الإمام   :”كذبوا وفجروا “،

أي أن من قال أو اعتقد أنه مجرد اسم، أو أنه تم لأسباب خارجية كرضا الخليفة عنه وله بولاية العهد، فهذه المقولة وأمثالها ليست مجرد كذب، لأن الكذب هو ادعاء شيء لا حقيقة له في الخارج، ولكن سماه الإمام فجوراً ، وهو يعني وجود خلل في العقيدة، فالإمام هو تجسيد لمقام الرضا الإلهي، الذي ذكرته الآية في مقامات النفس العالية في قوله تعالى (راضية مرضية وكذلك قوله تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه).

أو مثلاً، حينما يسمي رسول الله أهل بيته بأنهم عترته، فمع مراجعة كتب اللغة في معنى العترة نجد أنه بالإضافة إلى كونه بمعنى نسل الإنسان وذريته ونسبه، فالعترة في اللغة أيضاً بمعنى قطعة كبيرة من المسك في بطن الغزال. وأيضاً بمعنى الماء الغليظ ذو المذاق العذب، والعترة كذلك هي الشجرة التي قطعت جذورها ونمت من جديد.

وقد استجمع المرحوم المحدّث القمّي كل هذه المعاني وقال في معنى العترة:

“إن الأئمة من بين جميع بني هاشم ومن بين ولد أبي طالب، بل من بين البشر كقطع المسك الكبار، وعلومهم العذبة عند أهل الحكمة والعقل كالماء الزلال العذب، وهم أيضا الشجرة التي أصلها رسول الله وفرعها أميرالمؤمنين والإئمة من ولده أغصانها، وشيعتهم ورقها، وعلمهم ثمرها ، وهم أصل الشجرة المقطوعة، لأنهم وتروا وقطعوا وظلموا”.

لذا فالتسمية الإلهية للسبط الأول لرسول الله باسم الحسن لم تأت من فراغ، فالله تعالى يريد أن يرسم لنا معالم تلك الشخصية، وإضفاء إلهي لروح الحُسْن والجمال على هذا الوليد المبارك، فهذه التسمية إشارة وتنبيه للناس أن هذا الشخص المتجسد أمامكم هو اسمٌ على مسمى، تجلى فيه الحُسن في كل أبعاد وجوده: بداية من حُسْنٍ في نسبه ،، فلا يوجد من له نسب ناصع عظيم كنسب الإمام الحسن ، ولا يوجد إنسان قد اجتمع له جد كالنبي ، وأب كأميرالمؤمنين ، وأم كالصديقة الزهراء ، إلا أخيه أبي عبد الله الحسين   .

ثم هو حَسَنٌ في روحه وحَسَنٌ في أخلاقه وحَسَنٌ في عقله وفكره، وحَسَنٌ في جميع ما يقوم به، ولذلك حينما ينقل المؤرخون شمائل الإمام الحسن نراهم يجمعون كانت شمائله كشمائل رسول الله حَسَنٌ في خلقه وخلقته، بقولهم “وكان أشبه الناس برسول الله خَلقاً وخُلقاً وهدياَ وسؤدداَ “

ثانيا: رعاية إلهية: صحيح أن التسمية تمثل مقطع بسيط من حياته لكن معنى الحسن تمثل كمحور قامت عليه مقاطع حياته الشريفة ، لأن الله حينما يختار اسم انسان فهذه بداية رعاية إلهية تستمر كل حياته الشريفة. فالتسمية الإلهية مظهر للرعاية الإلهية وتجلي للتسديد الرباني التي تبدأ من التسمية وتستمر طوال مسيرة الحياة.

ومن جهة ثالثة : فدلالة تسمية الله تعالى له بالحسن بالذات، وهو اسم يتفق كل المسلمين أن الحسن والحسين أسماء لم يسبق للعرب أن سمّت بها، ولو تم مراجعة الأسماء والتسميات في تاريخ العرب لا تجد قبل الحسن بن علي شخصا متسم بهذا الاسم ، فهو اول شخص يحمل هذا الاسم .

وهذه من الأمور التي انفرد بها الأنبياء كيحيى بن زكريا :” يا زكريا انا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ” ، ومثل اسم عيسى ، كلها اسماء لم يسبق للناس في مجتمعهم أن يسمّوا بها ،

فكون السماء تسمي الحسن باسم لم يسبق له نظير في الأرض، فهو علاوة على أنه يكشف عناية خاصة بالمولود، لكن كون هذا الاسم جديداً على الناس فهو بمثابة جرس تنبيه للناس للالتفات لهذا المولد.

  خصوصا حينما تبدأ سلسلة الإمامة بعد أميرالمؤمنين باسم الحسن المجتبى أي المقرب، ثم تتوزع الفضائل والتسميات على سائر الائمة ، فهناك زين العابدين والسجاد ثم الباقر والصادق والكاظم والرضا والتقي النقي . وكل هذه الفضائل يجمعها اسم (الحسن) .

لذلك ورد في الزيارة الجامعة :” فما أحلى أسمائكم وأكرم أنفسكم وأعظم شأنكم“. لأنها ليست أسماءً عادية ، بل هي وجودات بشرية تعبّر عن خزائن وفيوضات إلهية من عالم الغيب .

هيهات أن يقاس بكم أحد ، فلا يوجد إسم أحلى من أسمائكم ، ولا توجد نفوس أكرم من أنفسكم ،  والحلو وان كان مرتبط بالمذاق المادي إلا انه يتعلق بالأمور المعنوية فنقول هذه فكرة حلوة .. صوت حلو .. والأساس فيها وجود الانجذاب نحوه ،

رابعا: إعلان عصمته : فإذا كان أميرالمؤمنين لما حمل الصغير الحسن ولا يسميه وينتظر النبي ..فهذا وان كان فيه تأدب وتقديم للنبي ولكن هناك لفتةً أخرى وهي أن علي قد رأى الحسن وجوداً عظيماً، وكأنه رأى في ان اسم هذا الموجود العظيم ينبغي أن يكون مميزاً كوجوده العظيم،

وكذلك النبي قد رأى وجوداً وحلماً .فما كان ليسبق الله تعالى في تحديد مسمى هذه العظمة . فتولى الله تعالى قضية تسميته ، وسماه الحسن وليعلن بهذه التسمية أنه مظهر للحسن والجمال الرباني بين الناس، ويعلن تأييده ورعايته الإلهية له، فهي بمثابة اعلان عصمته ،

ويدل على ذلك حديث ورد عن النبي ، أما الحسن فله هيبتي وسؤددي يروى في أهم أوصاف النبي أنه فخما مفخما أي ذا هيبة عند الناس ، احدهم يقول ” ما كان أحد أحب إلي من رسول الله ، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقتُ لأني لم أكن أملأ عيني منه “.رسول الله فخما مفخَّما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر…

وكذلك كان الإمام الحسن ولذلك حينما ينقل المؤرخون شمائل الإمام الحسن نراهم يجمعون ان شمائله كانت كشمائل رسول الله حسن في خلقه وخلقته ،” وكان أشبه الناس برسول الله خَلقاً وخُلقاً وهديا وسؤددا ” والسؤدد بمعنى السيادة ، والسيادة احد جوانبها المهابة في قلوب الاخرين .

فكان الناس يرون في الإمام الحسن مهابة رسول الله ، جاءه رجل فقال له:” إن فيك عظمة ( أي سيماء تدخل الاجلال في النفوس ) ، فقد شاء الله تعالى أن يظهر عظمته في أوليائه، فقال هي عزة ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، فالمهابة صفة المؤمن قاعدتها (إن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين) ، وقول النبي ((شرف المؤمن قيامه في الليل و عزُّه استغناؤه عن الناس” . وقوله من خاف الله اخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء،) ولا ينبغي أن يُفهم الاستغناء عن الناس بمعنى الاستقلالية، فالإنسان يحتاج الناس أكثر ليفهم نفسه اكثر، لتتسع نفسه وتكبر روحه اكثر، وليتخلص من الكبر والعجب،

فالقوة والهيبة التي تكون للمؤمن هي نتيجة طبيعية لخشيته من الله تعالى ، بمعنى أنها نتيجة لعملية تصنع داخل قلب الإنسان ، وليست مفتعلة ، إذا تصنّعها الإنسان يصبح اسمها (الكِبر) ، ( موقف كل من هشام والإمام زين العابدين ) وهذا الحال يأتي تلقائيا حينما يكون حال المؤمين خلوتُه كجلوته، وسرُّه كعلانيته، وما نطق به لسانُه يؤكِّده قلبُه، ليس هناك اثنينية أو ازدواجية، بل هو بناء روحي يقوم على الصدق مع النفس، والصدق مع الله تعالى،

قالوا : إن المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلاله، فإذا امتلأ القلب بذلك حل فيه النور، ونزلت عليه السكينة، وألبس رداء إلهيبة ( الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) فأخذ المؤمن بمجامع القلوب محبة ومهابة ، فحنت إليه الأفئدة ، وقرت به العيون ، وأنست به القلوب ، فكلامه نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، وعلمه نور ، إن سكت علاه الوقار ، وإن تكلم أخذ بالقلوب والأسماع

فالبداية هي تقدير الانسان لذاته كنعمة وروح من الله تعالى، فيحترم ذاته أولاً، ويتمسك بالعروة الوثقى ثانياً ،

واحترام الذات يعني معرفة قيمتها ، وصف القرآن خلق الإنسان :” وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (*) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (*) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ “.

فحينما وصل القرآن في تسلسل الخلق إلى مرحلة أنه صار خلقاً آخر، مدح الله تعالى فعله فيقول :” تبارك الله أحسن الخالقين، وحينما يريد أن يطرح تفصيلاً في هذه النقطة، وكيف أنه صار خلقاً آخر، يقول أنه قد أودعه روحاً من عنده ” ونفخت فيه من روحي ” ، ليست روحا عادية، لأن النملة والنحلة، بل حتى الشجرة هي ذات أرواح أيضاً ،

وهذه مسالة أساسية في التكريم وجود استعداد التلقي للرزق المعنوي كون ان روح الإنسان لها تعلق اساسي بالله تعالى، وحينما ينجذب الإنسان لله تعالى، فالسبب وان كان في الظاهر امرا خارجيا عارضا عليه، لكن هذا الانجذاب تم نتيجة ظهور ما هو كامن في الداخل،

وهذا هو اصل وجود المهابة هو هذا النوع من الإيمان بالله، ان ينتبه الإنسان الى هذه الجوهرة المكنونة فيه ، التي ان صلحت بلغ عنان السماء وارتقى عن الملائكة ، واذا فسدت التصق بالارض كالحيوان . فأن يكون انسانا وليس حيوان او شجرة فهذا ليس نعمة بسيطة ، ان يعطى الاختيار فهذا ليس شيئاً قليلا ، ان يستحق ان يتوجه اليه الله تعالى بالخطاب فهذا ليس قليلا ، وان يعطى دستورا بعد ذلك يعرفه كيف يتعامل مع نفسه ومع الناس ومع الله فهذا ليس شيئاً قليلا،

وعلى المستوى الاجتماعي هذا التركيز على الكرامة مهم ، لأنه وببساطة شديدة، الكرامة الإنسانية تشكل حجر الزاوية في مشروع الإصلاحات والتحولات الإيجابية في أي مجتمع. فاذا لم يشعر الإنسان باهمية وجوده وكرامته الإنسانية سوف يقع عليه الظلم وسلب حقوقه ابتداء من اصغرها ..

  فمتى ما احس الفرد بأهمية ان يكون الإنسان كريما على المستوى الإنساني ، سيتحرك المجتمع الى إعادة الاعتبار إلى الإنسان وجوداً ورأياً وحقوقاً ، سوف تقرر القوانين على مستوى تطوير لمناهج التربية والتعليم ، اضافة الى تنمية شاملة في مجتمعاتنا على المستوى الفكري والحقوقي .

إضافة الى أن هذا الشعور بكرامة الإنسانية وارتباطها بالله هو الذي يجعل كل انسان يستصغر قدر الدنيا، ليرى الأشياء الكبيرة، حينما يقول له أميرالمؤمنين الا انه ليس لارواحكم ثمن الا الجنة،

وهذا الشعور بكرامة الإنسانية وارتباطها بالله هو الذي يجعل كل انسان يرى في نفسه شوقا الى الارواح الطاهرة ، يريد ان يتصل ويرتبط بها ، لانه يشتاق الى الكمال ، ولذلك كان الثقلان : القرآن حبل الله الممدود ، والعترة التي تجسد القرآن ،

فهذان الأمر ان يحتاج ان يفهمهما الإنسان حتى يترتب عليه بعد ذلك عقيدة واعمال صالحة وتقوى وايمان ، ان يفهم انه اعطي جوهرة مهمة هي الإنسانية ، ينبغي ان ينشغل في صقلها فيصرف النظر عما سواها ، وان يستعين بهذا الصقل بالعروة الوثقى .فبمقدار ما يكبر الله في عينه فالله تعالى يجعل له ودا ،

ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وكأنّ الله حتى يعرف الناس عظمة الله جعل العالم مظاهر لصفاته واسمائه كل بحسب تلقيه لتلك الروح الإلهية، وهذا معنى ما يقوله الإمام ( الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه ) ، لان العالم بالأصل هو تجلي لله تعالى ، كل مخلوق بحسب سعة وجوده له ظهور لعظمة الله ، حتى تتم الصورة الاكمل في اولياء الله تعالى ،

واصل بن عطاء يصف الإمام الحسن بانه عليه سيماء الملوك وهيبة الأنبياء. ومن المعروف انه كان يحجّ إلى بيت الله الحرام ماشياً، فإذا رآه النّاس وفيهم علية القوم، لم يملكوا أنفسهم إلا أن يترجَّلوا ويسيروا معه.

واسم الحسن نفسه يحمل معاني البهاء والجمال، اللطيف كما يقول البعض ان هذا الحسن ممكن يفهم من عدة معاني من نفس حروف هذا الاسم الشريف المكون من ثلاث حروف الحاء والسين والنون ، فلو اخذنا اول حرفين فجمعنا الحرف الاول والثاني سوف تعطينا كلمه ((حس)) وهو من الاحساس، ولو جمعنا الحرف الاول والثالث سوف تعطينا كلمة (( حن ))وهو من الحنان ، فالحسن وفق هذا التركيب اللغوي مجموع من شعور واحساس عميق بالحياة والحنان والرحمة ، وهذا يشمل العطاء وسعة الصدر ،

ولكن رغم ان الأمر الإلهي جاء :” سمه حسن ” ليعرف الناس ان هذه التسمية من الله انما هي اعلان للتأييد الإلهي له ، حتى يصلح حال الامة بقيادة نصبها الله تعالى، وانه كما انه حسن في روحه، حسن في اخلاقه، فهو حسن في سياسته وحتى في صلحه، الا ان القوم استضعفوا الإمام الحسن كما استضعفوا أميرالمؤمنين من قبله.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى