الإمام الحسن (ع) سَمِيُّ السماء (٣) – ٨ صفر ١٤٤٤هـ
عناصر الحديث
▪️الحسن سَمِيُّ السماء تعبير عن الرعاية الإلهية الحافة بالإمام الناطقة بعصمته عليه السلام .
▪️قصص ومعجزات الانبياء في القران انما ذكرت لتقريب مقامات الأئمة في حياتنا،
▪️ الامور الثلاثة التي عرضها العبد الصالح لموسى هي بشكل عام تصور الوسائل التي يتم الاستعانة بها عادة عند تنفيذ أي مشروع اصلاحى .
▪️دلالات استشهاد الامام الحسن بقصة موسى والخضر لبيان حكمة وشرعية الصلح مع معاوية
⬅️علاقة قصة خرق السفينة بالصلح.
⬅️علاقة قصة قتل الغلام بالصلح.
⬅️علاقة قصة بناء الجدار بالصلح.
▪️الانواع الثلاثة من القدر، وتعامل الانسان معها.
ورد عن عِمرانَ بن الحصَين قال : قال رسول الله ﷺ لي: “ياعِمرانُ إنّ لكلِّ شيءٍ موقعاً من القلب ، وما وقع موقع هذين الغلامين يعني الحسن والحسين مِن قلبي شيءٌ قط ، فقلت : كلُّ هذا يارسولَ الله؟قال: ياعِمران وما خَفي عليك أكثر أنّ الله أمرني بحبّهما”.
الإمام الحسن سَمِيُّ السماء ، تولى الله عز وجل قضية تسميته ، وسماه الحسن وليعلن بهذه التسمية انه مظهر للحسن والجمال الرباني بين الناس ، ويعلن تأييده ورعايته الإلهية له فهي بمثابة اعلان عصمته ع،
يضيف النبي ﷺ :” إنّ لكلِّ شيءٍ موقعاً من القلب ، وما وقع موقع هذين الغلامين مِن قلبي شيءٌ قط ، فقلت : كلُّ هذا يارسولَ الله؟ قال : ياعِمران وما خَفي عليك أكثر أنّ الله أمرني بحبّهما“. قلب رسول الله ﷺ هو مهبط الوحي ومنزل ايات الله ، فاذا وقع حب الحسنين في قلبه هذا الموقع فهل يكونان غير كلمات الله التي القاها ،
ويمكن لهذا عبر في ذيل الرواية ان الله امرني بحبهما، وهذا الحب ليس امرا تشريعيا، حينما يقول أمرني بحبهما، الحب ليس امرا اختياريا، بل مما يتعلق بهم الإنسان وهمته وروحه، فإذا امر الله تعالى بذلك فهو قد اوقع تكوينا هذا الحب في نفس النبي ﷺ بحيث يأسر قلب النبي ﷺ وما دام لا يأسر قلب رسول الله ﷺ غير الله واياته، فهذا يعني ان الله جسد اياته في الحسن والحسين ، بمعنى آخر ثقل النبوة تجسد وتفرق فيهما . فهم من يحتوي هم رسول الله ﷺ وهمته ويحيط بما يقع في قلبه ،
فحينما نقول الحسن سَمِيُّ السماء فالقصد هو تلك الرعاية الإلهية الحافة بهذا الإمام العظيم من ولادته الشريفة تجليا لعصمته . لذلك كان الإمام يصرح في عدة موارد ان فعله هو فعل الله ، باعتبار انه الإمام المفترض طاعته، كمثال الصلح الذي قام به الإمام الحسن مع معاوية جعل الكثير من الناس يتجرأون على مقام الإمامة ويتطاولون على الإمام بما لا يليق من الكلام
فالإمام في مقام الرد استشهد بقصة الخضر مع موسى حينما اعترض عليه في المواقف الثلاثة ، قال : أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار ، وقتل الغلام ، كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران ، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمةً وصواباً ؟
فالإمام وضع نفسه مكان العبد الصالح الذي اتاه الله علما ورحمة من لدنه واعتبر الناس في مقام نبي الله موسى الذي سارع بالاعتراض حينما لم تنكشف له الحكمة من العمل . ومن المعروف أنه ليس سهلا ان يضع الإنسان نفسه مكان رجل ذكره الله في القرآن واصفا إياه بأن ( آتيناه من لدنا علما)،
الإمام الحسن باستشهاده بهذه القصة فهي يعلن للناس أن الله أجرى قضاءه على يديه حينما طبق ما فعله الخضر من كونه يد الله في تنفيذ الاقدار على نفسه ، ولا عجب في ذلك فطالما ربط القرآن بين ال البيت وبين نبي الله ابراهيم وهو ابن ابراهيم ع
وهذا يعني ان كل قصص القرآن الكريم ومعجزات الأنبياء انما ذكرت لتقريب مقامات الإئمة ع في حياتنا، وأبسط كثال لذلك حينما يذكر القرآن وزير سليمان الذي حينما قال سليمان قَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ (38) قَالَ عِفۡرِيتٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّي عَلَيۡهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٞ (39) قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُۥ عِلۡمٞ مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن يَرۡتَدَّ إِلَيۡكَ طَرۡفُكَۚ ..
فلا شك أن قدرات الإنسان هي أكبر من قدرات الجن بشرط أن يكون عنده علم من الكتاب، لكن في سورة الرعد يبين أن هناك من أمة رسول الله ﷺ من عنده علم الكتاب كله، ( وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ)
والطبري في تاريخه بعد نقاش طويل في بيان من هو المقصود في الآية، قال بورود احتمال أن يكون أحد اليهود عبد الله بن سلام يصل في النهاية ليقول وقيل رجل من بني هاشم وقيل علي بن ابي طالب.
ومثال آخر في سورة الواقعة في تحديد من يستطيع إدراك باطن القرآن، في قوله تعالى :” لا يمسه إلا المطهرون)، ثم يرجعنا القرآن إلى سورة الاحزاب لتحديد هوياتهم بأنهم أهل بيت النبوة ، لذلك ينبغي إعادة القراءة في قصص القرآن لفهم الإمامة من خلال آيات القرآن الكريم،
نقف عند تشبيه الإمام الحسن لانتقاد اصحابه له بانتقاد نبي الله موسى للعبد الصالح الذي اتاه الله علما لدنيا، . عادة يقال في سبب القصة ان موسى ع اعتقد انه اعلم أهل الارض فامره الله ان يذهب للعبد الصالح ليتعلم منه ، لكن هذا المعنى لا يناسب اي داعية عادي فضلا ان يناسب نبي من اولي العزم ،بالاضافة الى انه كان هناك حرص شديد من موسى للقاء الخضر في قوله لا ابرح حتى ابلغ مجمع البحرين او امضي حقبا ، وحتى حينما اكتشف حدوث معجزة رجوع السمكة حية قال ذلك ما كنا نبغ فانطلقا .. فكان هناك دافع قوي لملاقاة العبد الصالح هو بمثابة جواب لسؤال سأله من الله .
هذا الدافع يظهر من المواقف التي اجراها العبد الصالح امام نبي الله موسى فهي بنفسها تكشف ان موسى ع سال الله كيف تجري الأحداث والاقدار . بالضبط كما سأل ابراهيم من قبل رب ارني كيف تحيي الموتى . والفرق ان الله اجرى احياء الموتى على يد ابراهيم ولكن لم يجري الاقدار بيد موسى بل امره باتباع الرجل الصالح ليعلمه ذلك،
الأمور الثلاثة التي عرضها العبد الصالح لموسى من قصة خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار التي حدثت أمام عيني موسى هي بشكل عام تصور الوسائل التي يتم الاستعانة بها عادة عند تنفيذ أي مشروع اصلاحى .
الاولى : عند وجود عوائق في مجال التنفيذ لابد من استعمال الكيد للوصول إلى الهدف المشروع الثانية عند وجود مفسدة او شيء فاسد في الطريق فيجب ازالته : اي المبادرة فى درء المفاسد
الثالثة : وهو الاصل : المبادرة فى جلب المصلحة والعمل الصالح :
هذه الأمور الثلاثة أفقدت موسى صبره، فاعترض، ونسي ما تعهد به، وأنهى العبد الصالح الرفقة: ﴿ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ ثم مضى الخضر… بعد أن شرح لموسى ولنا جميعا كيف يعمل القدر وأن هناك ثلاث انواع من أقدار الله تعالى يمكن تلخيصها ببساطة كالآتي..
أولاً : مفهوم الشر عند البشر مفهوم قاصر ، نسبي، بسبب عدم التمكن من رؤية الصورة بتمامها، فما فما بدا شراً لأصحاب المركب اتضح أنه خير لهم.. فأهل السفينة وإن كانوا قد عانوا ما عانوا من خرقها، وخسروا موارد رزقهم، لكنهم ما إن وصلوا إلى الشاطئ حتى اكتشفوا أن ما حدث هو خير لهم، فالملك الظالم قد أخذ السفن الأخرى، وأبقى سفينتهم لوجود الخرق فيها .
وهذا أول نوع من القدر.. أحداث تجري تبدو في ظاهرها أنه اشر وتحمل ضرراً للناس، فيكشف الله لهم أنه كان خيرا.. ولا شك أن هذا النوع من القدر يصادفه الناس كثيراً في حياتهم.
الثاني : قصة قتل الغلام بينت وجود شر ظاهري لكنه خير في ذاته، ولكن قد تمر سنين طويلة حتى يعرف الناس الخير من ورائه، وقد لا ينكشف السر وراء ذلك أصلا، ففي قتل الغلام وإن كان استبدال ولد سيء بولد صالح، إلا أن الأم لم تعرف بالحكمة من فقدانه .
فالنوع الثاني من القدر حدث يبدو في ظاهره أنه شر، لكنه في الحقيقة خير.. ولا يكشف الله ذلك، فيمكن أن يعيش الإنسان عمره كله وهو يعتقد أنه شر، مثل قتل الغلام.. لم تعرف أمه أبدا السبب وراء قتله……
ومن هذا الباب يمكن تفسير الآلام والمجاعات التي تجري في العالم، فهي أمور حتى يفهمها الإنسان ينبغي أن يكون مثل الخضر (آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)، فتنكشف له الأمور فيقول ما رايت الا جميلا ، او ان يسلم الأمور لله تعالى لانها صدرت من عالم الغيب والشهادة الذي وسعت رحمته كل شيء .
النوع الثالث وهو الأهم.. هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري.. لطف الله الخفي.. الخير الذي يسوقه إليك.. الذي يجريه الله تعالى لعبده دون علمه ، فالايتام لم يكونوا يعلمون بوجود الكنز ولا بالجدار الذي كان سينهدم ولا بمن اقامه من جديد .. كله لطف من الله لينهدم وقت بلوغهم وقدرتهم على استخراجه .
لم يصبر موسى على التعلُّم من الخَضِر كما وعد، فعاتبه على خرق السفينة؛ خيفة أن يغرق أهلها، وفيه لفت لنظر موسى ان هذا البحر حفظ الصندوق الصغير الذي وضعتك امك فيه ولم يغرق فكيف جزمت بان السفينة سوف تغرق بخرق صغير صنعته يد الله ؟
ولم يصبر موسى على قتل الغلام فأنكر على الخَضِر قتله، وكأن هذا تنبيه على أن القتل الذي عمله الخضر وراءه سر ومنفعة كما ان القتل الذي فعلته يا موسى قد احدث منفعة وتخلص المجتمع من شر هذا القبطي فربما لو عاش لأرهق من حوله طغياناً وكفراً أو كان عائقاً عن دعوة الحق،
وكذلك احدث انقلاب في حياة موسى بأن ترك مصر إلى مدين والتقائه بنبي الله شعيب ، ولم يصبر موسى على إقامة الجدار بغير أجرة لغلامين يتيمين من أهل قرية أبوا أن يضيفوهما، وهذا نظير ما فعله موسى للفتاتين الضعيفتين في أرض مدين ، حيث كان موسى غريباً طارئاً لم يجد الحفاوة،
تنجو سفينة من ظلم ظالم لعطبٍ مفتعل في طرفها، ويموت غلام بقدرٍ وهو بريء زكي في نظر العين، ويحفظ كنز لآخرين بتسخير قدري، ويظل العقل غير قادر على استيعاب وجود أسرار ومقاصد لا تبدو لأول وهلة، وربما يتأخر الإفصاح عنها لجيل كامل، ويظل العقل عاجزاً عن فهم بعض التفصيلات الخفية وراء الأحداث المؤلمة وقت حدوثها.
فالخلاصة إذاً..
أننا يجب أن نتوجه لكلمة العبد الصالح الأولى “إنك لن تستطيع معي صبرا“ استسلم ورخ اعصابك كما لو كنت تسبح لا تسبح عكس التيار ، استسلم للاحداث التي لا تجد لها تفسيرا وبمقدار استسلامك سوف ترتاح، فهم القدر صعب يحتاج الى يقين ، لن تستطيع يا ابن آدم أن تفهم أقدار الله.. الصورة أكبر من عقلك.. قد تعيش وتموت وأنت تعتقد أنك تعرضت لظلم في جزئية معينة.. لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما.. الله قد حماك منها..
لماذا دائما ننظر للجانب السلبي للأشياء؟ ونقول حرمنا الله يفترض ان نستعين بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمهما. وقل في نفسك.. أنا لا أفهم أقدار الله.. لكنني موقن كما الراسخون في العلم أنه كل من عند ربنا.. والله رحيم بعباده عليم بمصالحهم .
إذا وصلت لهذه المرحلة.. ستصل لأعلى مراحل الإيمان.. الطمأنينة.. وهذه هي الحالة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله.. خيرا بدت أم شرا.. ويحمد الله في كل حال.. حينها فقط.. سينطبق عليك كلام الله “يا أيتها النفس المطمئنة ….” حتى يقول …. “وادخلي جنتي” هذه الآية وان كانت متعلقة بالإمام الحسين لكنها باشارة تدل ان من يطمئن بالله فهو داخل جنة الله الخاصة
فسبحان مقدر الأقدار ، وعالم الأسرار .. وما نحن إلا كالواقفين وراء الأستار ، لا يكشف لهم عما وراءها من الأسرار إلا بمقدار –
لذلك يقال حينما يحضر موسى في عقلك بأسئلته وتغلق الطرق في عينيك، عليك أن تبحث عن الخضر في قلبك كأجوبة له..
قصة موسى ع والعبد الصالح استشهد بها الإمام الحسن حينما لامه بعض اصحابه على عقده الصلح مع معاوية “ألا تعلمون أنني إمامكم مفترض الطاعة عليكم ، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله ﷺ علي ؟ قالوا : بلى . قال : أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام ، كان ذلك سخطا لموسى بن عمران إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك ، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا ؟”
الإمام الحسن ابتلي بامة ذات قلوب قاحلة وارض جرداء حتى كأن علي نفض يده من صلاحها . المرحلة التي عاشها الإمام الحسن هي تجلي دور العبد الصالح في الامة .. تتطلب ادارة بحكمة إلهية تعطي صورة ظاهرها خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار لناس لا يستحقون فيخفى فيها وجه الحكمة . فتح مبين رآه بعض المؤمنين بانه ذل للدين ،ولكن الإمام بين لهم وجه الحكمة بانه افضل للاسلام مما طلعت عليه الشمس .
فهذا الإنكار في ردود الناس للمعصوم ، مستمر لمن لا يفهم مقام الإمامة الإلهية ، وقد اتهم الإمام المعصوم الحسن ع بأنه مذل المؤمنين من قبل اناس يعترفون بإمامته .. وأخر يتمنى لو ان لو انه قد مات قبل ان يراه يبايع معاوية .
استشهد الإمام الحسن بقصة العبد الصالح من جهة أن ما قام به كان مراد الله تعالى فى الأرض .. فختم القصة، وأوضح الهدف في أن كل شىء تم.. إنما كان بمراد الله ( وما فعلته عن أمرى ) .. فالله عز وجل قد أجرى أمره بيد الإمام الحسن .
وكأن الإمام الحسن بالاستشهاد بقصة الخضر يقول : سيتضح لكم أني خرقت سفينة الشيعة بالصلح، لكي لا تستأصل الشيعة، وتؤخذ سفينتهم غصباً ( أي يأن المهم في هذه المرحلة أن لا يٌحَّرَّف الدين، والإسلام يتضمن سلطة ظاهرية من جهة، وفيه جوهر عميق من جهة أخرى هو الإمامة)، فأعطيت معاوية السلطة الظاهرية، ومثل معاوية إذا أعطي السلطة فلن يلتفت إلى الشريعة)، لذا ينقل في التاريخ أنه ارسل ورقة بيضاء إلى الإمام الحسن وختمها بتوقيعه، وقال له اشرط ما شئت ..
فالخضر قد خرق السفينة حتى لا يأخذها الملك غصباً، والإمام الحسن قد قام بالصلح خرقاً لسفينة الإسلام، لكن هذا الخرق هو الذي أبقى باقية من الإسلام، ولولاه لأكل معاوية الأمة كلها .
وكذلك ينطبق صلح الإمام الحسن على القصة الثانية مما قام به الخضر ، وهي قتل الغلام، فما قام به الإمام الحسن من الصلح مع معاوية كان أيضاً درءاً لمفسدة، وقتلاً لفتنة كانت ستصيب الإسلام وأهله، ولكن في مرحلتها الغلامية والبسيطة، وكأن الإمام يقول إنكم لا ترون ما أرى، فإن معاوية قد ربى في حضن الأمة فتنةً في مرحلتها الفتية الصغيرة الغلامية، ولابد من قتلها حتى يرفعها الله عن هذه الأمة، ويبدلها حالاً أفضل منها.
وكما أن قتل الغلام قد حمى الأبوين من فتنة كبيرة، فقد حمى الإمام الحسن الدين من فتنة عظيمة، ودرأ عنها المفسدة في أن يدخل معاوية في الدين، بل لقد كشف الإمام الحسن وجه معاوية حينما أعطاه السلطة الظاهرية .
في كل زمان ومكان حينما يقوم العاقل بفعل يختفي وجه الحكمة منه عن عامة الناس، سوف تتعالى أصوات وموجات الاعتراض، فيمكن أن يصدر اعتراض حتى من أقرب وأعقل الناس، (أخرقتها لتغرق أهلها ؟ )، ( أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً إمرا )، ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا)..
وكأنه يقوم بعمل الخير في غير محله. ولا شك أنها غربة حينما تحكم عقول الناس على عقل الإمام المعصوم الذي يعلم أنهم لا يطيقون صبرا .. ولا يستطيعون فهم حقيقة ما يقوم به الإمام .
ولذلك هو نفسه الإمام الحسن عندما سألوه قال لهم : ” ويحكم ما تدرون ما عملت، والله الذي عملت لشيعتي خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت ). أي أنكم بسبب خفاء الحكمة وعدم معرفتها ترون ما فعلته هتكا وخذلان بالشيعة والحال أن اعتراضكم هذا مثل اعتراض نبي الله موسى على الخضر فإنه اعترض عليه لخفاء الحكمة لديه.
لذا كان الإمام الحسن مظلوماً حتى من شيعته، المعاصرين منهم وحتى اللاحقين، فجاء كثير ممن كتب حول سيرة الإمام بمحاولات لتبرير صلح الحسن وكأنه كان خطيئة بدرت من كريم يجب لزوم المداراة عليها.
فالإمام الحسن صاحب الغربة التي تؤلم وتغرز في النفس أنيابها، ظل يعاني آلامها حينما رأى القردة ينزون على منبر رسول الله ﷺ، وقبل ذلك رأى الاقتحام الذي وقع على أفضل بيت على وجه الأرض، وكيف وضع النار على بابه الشريف، وكيف تم التجرؤ على مقام رسول الله ﷺ وقُتِل أميرالمؤمنين ، ثم رأى قلة الناصر واضطراره إلى مهادنة معاوية التي جعلت حتى بعض اصحابه يتراجعون عن أداء أجر الرسالة لرسول الله ﷺ. فكانت غربة عاشها الإمام الحسن في أمته .
حتى قال الإمام الحسين في رثاء الإمام الحسن ” غريب وأكناف الحجاز تحوطه “
إنا لله وإنا إليه راجعون
زر الذهاب إلى الأعلى