الكرامة الحسينية

السيدة زينب عليها السلام ورمز الحجاب وصلابة الروح – ١٣ محرم

وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ – السيدة زينب عليها السلام  ورمز الحجاب وصلابة الروح – ١٣ محرم

عناصر الحديث :

▪️  من الإشكالات الواردة على الإسلام في مسألة ستر المرأة التركيز على شكل المرأة أكثر من روحها.

▪️  إذا  كان الدين يقيّم الإنسان على أنه من (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، فلماذا يهتم بالشكل ؟ وما هي علاقة الحجاب بالإيمان والعمل؟ 

▪️  ما الفرق بين الأمور الشكلية، والأمور الرمزية في الإسلام ؟

▪️   ما معنى الرمز في الإسلام ، وما هي نماذجه؟

▪️  كيف يكون الحجاب رمزاً لشخصية المرأة وكرامتها؟

▪️  كيف أظهرت السيدة زينب الحجاب كرمز إلهي؟

السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، أشهد يا مولاي أن دمك قد سكن في الخلد، واقشعرت له أظلة العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السموات السبع، والأرضون وما فيهن وما بينهن، ورحمة الله وبركاته “.

    

ثم الصلاة والسلام، على القلب الصبور، واللسان الشكور، نبكي مولاتنا زينب بكاء الشمس التي كُسِفت، والقمر الذي خُسِف، والخدرِ الذي انتهُك وأدخل إلى مجلس الطاغين. نبكيها تخفي الدموع عن الطغاة في مسير الكوفة والشام ملتفتة إلى الرأس التريب ذو الشيب الخضيب وتقول

يا هلالا لما استتم كمالاً *** غاله خسفٌ فأبدا غروبا

(إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)

كنا فيما سبق في رحاب كلمة الإمام الحسين ( وكلُّ حي سالك سبيل)، سواء اختار الإنسان طريق الحق أو الباطل، وتم عرض أسباب سلوك هذا الطريق، والموانع التي تمنع الإنسان من اختيار الحق، وحينما يختار الإنسان نصرة دين الله عز وجل الذي يبدأ من العبودية لله تعالى، سيجد نفسه يعيش أمنية أن يجعله الله ممن ينتصر به لدينه ولا يستبدل به غيره، وتظهر له سلسلة الأنبياء كسلسلة من نور في عالم التكوين يكمل بعضها بعضاً.

ثم، كيف سلك الإمام الحسين سبيله كامتداد لنبي الله إبراهيم ، ثم كيف سلكت السيدة زينب لإكمال المسيرة، وكان هذا المسير المبارك في محورين:

الأول: سعي السيدة زينب كامتداد لسعي السيدة هاجر .

والثاني: في حديث اليوم عن صلابة الروح من خلال الحجاب.

في الحديث عن السيدة العقيلة زينب كحلقة تكمل مسار الإمام الحسين ، نجدها تتألق بشكل واضح كرمز بارز للعفاف، والصورة المتكاملة للمرأة، التي أبرزها أهل البيت في العقيلة زينب  .

فمن يتابع أحوال المرأة في البيت النبوي العلوي يلاحظ نقطة ملفتة، خصوصاً بتتبع حجاب الصديقة الزهراء فإن هناك أحوالاً خاصة للحجاب في هذا البيت الطاهر، من تمام العفاف، وكمال الجلال، وهيبة التقديس، تحيط بالمرأة العلوية في بيت أمير المؤمنين علي ، فالمؤرحون في وصف الصديقة الزهراء يذكرون مشيتها فقط، لأنهم لا يجدون أمراً شكلياً ظاهراً غيره ليصفوه، وهذا من كمال الحجاب.

يقولون : (لا تخامر مشيتها عليها السلام مشية رسول الله )، وكذلك كانت عقيلة الهاشميين زينب فهي التي لم ير ظلها قط في الكوفة، كناية عن عدم مخالطتها للرجال أبداً،

جاء في الخبر عن يحيى المازني قال : كنت مجاوراً لأمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة، وكنت بالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت أن تزور قبر جدها رسول الله تخرج ليلاً؛ الحسن عن يمينها، والحسين عن شمالها، وأبوها أمير المؤمنين أمامها، فإذا قربت من الروضة النبوية سبقها أبوها أمير المؤمنين فأخمد ضوء القناديل، وحينما يسئل عن ذلك يقول : ( لئلا ينظر أحد شخص زينب).

وما قول أنه لم يُر لها شخصاً، أو ظلاً، أو خيالاً، إلاّ دلالةً على هذا الحرص، فإذا لم تبرز العقيلة زينب كما برزت زوجات النبي ومدعيات القرب من الرسالة، لا في صفين، ولا الجمل، ولا النهروان، ..رغم أنها كانت حروباً مصيرية مع الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فلأن أهل بيت النبوة يريدون أن يكون خروجها مقترناً برسالة أعظم، ليكون خروجاً مبهراً للعالمين، وليس مجرد حمل مسئولية وثقل، بل مقاماً روحياً كما هي أصول جعل الرسالات الإلهية في نفوس يختارها الله تعالى.

مثل هذه الصورة للحجاب لابد أن فيها تعارض ظاهري واضح أمام صورة خروج الإمام الحسين بالحرم النبوي العلوي مع العقيلة زينب من المدينة إلى مكة، إلى كربلاء، خرج بهم وسار بهم من بلد إلى بلد، كل تلك المسافات، هو نفس الحسين الذي يحيط بالعقيلة زينب عن شمالها والحسن عن يمينها، وأمير المؤمنين يمشي أمامها في الذهاب إلى قبر جدها ، ثم يطفئ السراج لئلا يظهر شخصها للناس .

وحينما يكون الإمام الحسين بهذا القدر الكبير من الحرص في ابراز الخفاء في شخصية العقيلة زينب ثم هو الذي يخرجها على الناقة، تسير في البلدان، وهو يعلم بما سوف يجري عليها وأيّ مصير مؤلم يستقبلها .. يتضح أهمية هذا الدور الذي من أجله أخرجها الإمام الحسين وكأنها بهذا الخروج سوف تؤدي دوراً، هو أعظم بكثير من بقائها في بيتها .

من هنا، يمكن أن يُفهم أن الحجاب هو روح ورمز لهوية المرأة المسلمة، المجاهدة في سبيل الله، الناصرة لإمام زمانها، أكثر من كونه حكماً شرعياً إلى جانب سائر الأحكام الشرعية.

من الإشكالات الواردة على الإسلام في وجوب الحجاب على المرأة، أنه يركز على شكل المرأة وليس على روحها، حينما يلزمها أن تغطي ظاهر بدنها، كقوله تعالى﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، بل أنه يقدّم الفقه الشكلي على الفقه العبادي، فيتحدث عن الحجاب مثلًا قبل أن يتحدث عن الصلاة، فيقول﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ ثم يقول﴿وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فلماذا يهتم الإسلام اهتمامًا واسعًا بالفقه الشكلي؟ 

  يفترض – كما يقول أصحاب الإشكال- أن الاهتمام بالقانون يكون بحجم ربطه بالهدف، لا أكثر من ذلك، والإسلام يهتم بصياغة روح الإنسان، وبناء عليه، يأمره بالإيمان والعمل الصالح ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، ويقيّم الإنسان على أنه من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلماذا يهتم بالشكل؟ 

وما هي علاقة الحجاب بالإيمان والعمل؟ ربما تكون المرأة السافرة غير المحجبة أكثر إتقانًا للعمل من المرأة المحجبة، وربما تكون المرأة السافرة أكثر حشمة ووقارًا وأدبًا من المرأة المحجبة، فالحجاب لا ربط له بالهدف،

والجواب:  أن الاشكال قائم على الخلط بين الفقه الشكلي، وبين الفقه الرمزي. الإسلام ضمن تشريعه في تحديد الهدف، يضع الرمز كمفهوم تربوي يعتمد عليه في منظومة الإيمان والعمل الصالح،

ما معنى الرمز؟

الرمز مصطلح قانوني يشير لمبادئ متعددة، فمفهوم الملكية مثلاً يرمز أن للانسان حق التصرف كالركوب والبيع والهبة والإجارة، وعدم جواز استعمال غير المالك لذلك الغرض بدون إذنه.

والإسلام يفرق بين فقه على مستوى الشكل، وفقه على مستوى الرمز، مثلا في قوله تعالى﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾،

هذه الآية تهتم بشكل الإنسان عند ذهابه للمسجد، أو عند الصلاة، إذا أراد أن يصلي ينبغي أن يتطيب، وأن يلبس أفضل لباس، وأن يتزين بأفضل زينة، حتى لا يكون منفِّرًا للآخرين، هذا يمكن التعبير عنه بأنه فقه شكلي، يهتم بشكل الإنسان.

أما الفقه الرمزي فهو مجموعة الأحكام التي يضعها الإسلام ويهدف من ورائها زرع مفاهيم في الإنسان، وهو ما يعبّر عنه في الشريعة بالشعائر، وهذه الشعائر يمكن أن تكون على عدة مستويات:

المستوى التربوي: مثل رمي الحجاج في منى جمرة العقبة يوم العاشر بسبع حصيات، رمزًا لمحاربة الشيطان،  لأنَّ إبليس تمثّل للنبي إبراهيم في هذه المنطقة، وقد رماه إبراهيم بالحجر، فصارت سنة يقوم بها الناس لسنين متمادية لتعميق رمزية مواجهة الإنسان للشيطان في الحياة.

المستوى التنظيمي : مثل وجوب أن يكون الكتف الأيسر للحاج في الطواف محاذيًا للكعبة، لا أن يكون مائلًا، وهذه الدقة في هذه المحاذاة، لتعليم الإنسان النظام، وتحري الدقة والتنظيم في تفاصيل حياته، لضرورة أن يكون الإنسان المسلم منظمًا دقيقا في تطبيق وتنظيم أموره.

المستوى الاجتماعي: مثل حث الإسلام على صلاة الجماعة التي تعادل سبع وعشرين درجة من صلاة الفرد، لأن صلاة الجماعة ترمز إلى الوحدة والتماسك الاجتماعي، 

المستوى العبادي: مثل الإذان الذي يرمز إلى حلول وقت العبادة والعلاقة مع الله تعالى عند المسلمين، ودق الناقوس كشعيرة للعلاقة الروحية مع الله عند المسيحيين.

مستوى الانتماء: مثل قول الشهادة الثالثة في الإذان، فهي ليست جزءًا من الإذان الشرعي، ولو تركت فالإذان صحيح، وإنما تذكر كشعيرة تعمق انتماء الانسان لولاية أمير المؤمنين ، وتذكير الناس صغاراً وكباراً بحادثة الغدير التي نسيها المجتمع، لإيصال رسالة تبليغية للعالم بالثبات على وصية رسول الله يوم الغدير، حينما تركها الغير .

إذاً، وجود الشعائر في الإسلام بمنزلة الرمزية في الدين وهي أقسام تربوية واجتماعية، وتنظيمية، وعبادية، وانتمائية.

السؤال: هل حجاب المرأة من الفقه الشكلي، أم هو من الفقه الرمزي؟

كما ذكرت فالاشكال قائم على فهم أن حكم الحجاب شكلي لا ينبغي أن يهتم به الاسلام، ولكن حكم الحجاب في الحقيقة هو رمزي يشير إلى مفاهيم مهمة في الإسلام، لأن الهدف من الثوب مثلاً ليس فقط مواراة العورة، بل أن اللباس رمزٌ لأمور:

الأول: جذب الآخر ولفت الانتباه،

والثاني تعبيرٌ عن الذات بحيث يكشف عن ذوق الإنسان وشخصيته والحس الجمالي فيه، والثالث: رمزٌ للانتماء. مثل لباس الجندي لكونه ينتمي الى الجيش، أو لباس الطبيب لكونه ينتمي إلى الحقل الطبي.

من هنا، ندرك أن طرح الإسلام لمسألة الحجاب، على أنه رمزٌ وليس شكلًا، كما يرمز الصليب للمسيحية، والنجمة لليهودية، فالحجاب أيضاً هو رمزٌ لحضارة، رمزٌ لكيان، رمزٌ لثقافة معينة، فالحجاب يندرج تحت الفقه الرمزي، لا تحت الفقه الشكلي.

وفي تفصيل دلالات الحجاب، يقال ..أنه :

أولاً: على مستوى الخلق الإنساني عند الرجل والمرأة لا شك بوجود أمرين مهمين هما : غريزة الرجل، وجمال المراة، ويقسم علماء النفس الميول على قسمين: ميول عضوية متعلقة بالبدن، مثل الجوع، الذي يمكن رفعه بتناول رغيف من الخبز ، فينتفي ذلك الميل .

أما ميل الإنسان للأموال، فهو ميل نفسي لا يمكن إشباعه، فكلما انفتحت عليه الثروة ازداد ولعًا وارتباطاً بها، لأن الميول النفسية تطغى وتكبر وتتسع كلما فتح لها الإنسان المجال. ويحذر القرآن من هذا الميل في قوله تعالى ﴿كَلَّا إِنَّ الإنسان لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾، تطغى النفس إذا توفرت لها سبل الثروة، والاستغناء عن الآخر، وكلما زاد غنىً زاد طغيانًا وولعاً نفسيًا بالمال. ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا. فالميول النفسية لا يمكن إشباعها، بينما الميول البدنية والعضوية يمكن إشباعها.

ومن الميول أيضا: ميل الرجل إلى المرأة، فهو ليس من الميول العضوية التي يمكن إشباعها، بل من الميول النفسية التي تطغى، لذلك، لابد من معالجة تلك الميول ما دام الإسلام يريد من المرأة أن تكون عضواً فاعلاً في المجتمع ، ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ولابد من حل هذه المسألة، فكان تكليف المرأة بالحجاب.

ومن هنا، إذا تخلت المرأة عن حجابها، وتكشفت أمام الرجل، فهو أمر يخل بنظم العلاقات القائمة على جهاد كل من المرأة والمجتمع في بنائه، ويعرض المجتمع لأن يعيش ميولاً قد تحصره في دائرة الغريزة، بينما يفترض به أن يضع خططه للتعاون بين الجنسين لبناء مجتمع ينصر مولانا صاحب الزمان . من هنا، فالحجاب رمز لمبدأ التوازن النفسي للمجتمع،

ثانياً: فإن الحجاب رمزٌ لكرامة المرأة، لا شك أن طبيعة الرجل إذا رأى المرأة مبذولةً له، على علبة الشامبو، وعلبة الكلنكس، وعلى شاشة التلفزيون، وفي الإنترنت، يستهين بوجودها، ويفكر باستغلالها لإشباع الغريزة او لتسويق بضائعه،

بينما إذا رأى وقار ورزانة المرأة، بحيث لا يمكن فتح مجال في العلاقات غير المشروعة، ازداد احترامه لها، وإكباره لها، وصار يتعامل معها معاملة الشريك في الحياة، فالحجاب رمزٌ للكرامة، وللعزة، بخلاف إذا ما كانت مبذولةً لديه.

فالحجاب رمزٌ وليس شكلًا، وعليه ووفق هذا المعنى ينبني تعامل البنت مع الحجاب، فإذا فهمته كشكل، فيمكن أن تتذمر يوماً،  فتتساهل بتفاصيل ارتداء حجابها فيمكن أن تلبس قميص وبنطلون يوماً، ويومًا عباءة ضيقة، لأنها تعتبر الحجاب شكلًا، وكلما كان الشكل أكثر أناقة فهو أفضل!

ولا شك أن تلك النماذج تُفْقِد الحجاب مضمونَه، وأهدافه، وتحوّله من الرمز إلى الشكل، الإسلام يريده رمزًا للانتماء الى رسول الله والسيدة الزهراء .، والبعض يريده شكلًا. ويصل البعض بهذا الفهم أن يضع شعار يا حسين على الجبهة مع التبرج والملابس الضيقة ، بينما نفس الاعتناء بارتداء الحجاب سيكون ناطقا ب (يا حسين).

   

لذلك، أكّد الإسلام على الحجاب في تأكيده على الفقه الرمزي، لا على الفقه الشكلي. وكما أن الرمز الديني قد يكون أحكاماً شرعيةً، كذلك فالله تعالى يرفع من شأن عبادٍ صالحين ليكونوا رموزا ، ويبقى الإمام الحسين رمزاً للاصلاح،  وتبقى السيدة زينب رمزا للعفاف والصمود أمام الحق.

   

ومن هنا، نرى العقيلة زينب   تعترض على يزيد بن معاوية: ”أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك“، حتى يزيد بن معاوية الذي كان فاسقًا كان يحجّب بناتِه وأخواته؛ لأنه يدرك أهمية الحجاب، ”تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بناتِ رسول الله سبايا على ظهور المطايا، قد أبديت وجوههن، وهتكت ستورهن، تساق كما تساق العبيد من بلد إلى بلد، يستشرفهن القريب والبعيد، والدنيء والشريف

يقول الشيخ المامقاني:” زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يَحُزْها بعد أمّها أحد، حتّى حقّ أن يُقال: هي الصدّيقة الصغرى،

هي في الحجاب والعفاف فريدة، لم يَرَ شخصَها أحدٌ من الرجال في زمان أبيها وأخوَيها إلى يوم الطفّ، وهي في الصبر والثبات وقوّة الإيمان والتقوى وحيدة، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنّها تُفرِغ عن لسان أمير المؤمنين كما لا يَخفى على مَن أمعن النظر في خُطبتها. ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحد أن يُنكر ـ إن كان عارفاً بأحوالها في الطفّ وما بعده.

كيف ولولا ذلك لما حمّلها الحسين مقداراً من ثقل الإمامة أيّام مرض السجّاد ، وما أوصى إليها بجملة من وصاياه، ولَما أنابَها السجّادُ نيابةً خاصّة في بيان الأحكام وجملة أخرى من آثار الولاية“.

في كربلاء أتم الإمام الحسين البلاغ، فقال: ( مثلي لا يبايع مثله ) وأعلن البراءة من الظالمين ، وأقام الحجة على الناس بشكل عام بشهادته ثم أرسل السيدة زينب لتكمل المهمة وتعلن البراءة في معقل الظالمين .

من الواضح أن الإمام أمير المؤمنين حينما كان يشدد على حجابها كان يريد أن يبرزها كنموذج ايماني يفوق النماذج التي قدمها القرآن الكريم لتظهر عظمة العقيلة زينب في كربلاء

وفي مقاربة جميلة فإن إخراج الإمام الحسين للسيدة زينب إلى كربلاء يشبه قول القرآن الكريم :” واذكر في الكتاب ابراهيم ، واذكر في الكتاب موسى ” .. باعتبار أن الحسين ممثل للقرآن الكريم، فإخراجه للسيدة زينب كان يريد منه إبراز هذه الشخصية، كما أن القرآن الكريم طرح قدوة للمؤمنين والمؤمنات ( ضرب الله مثلا للذين امنوا امرأة فرعون ) .

والقرآن الكريم حينما عظم زوجة فرعون حينما تحملت الأذى في سبيل الله، ذكر كلمتها “رب نجني من فرعون وعمله ..رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ” ، فقد ذكر التاريخ مقاربة لهذا الارتباط بالله تعالى عند السيدة زينب حينما قالت ( رب تقبل ..  ).

فالسلام على عقيلة الهاشميين السيدة زينب بنت أمير المؤمنين التي ظهرت كوسيلة رحمة إلهية لأهل الكوفة، وإلا فمن يستطيع أن يهز القلوب القاسية الغافلة لينفض عنها غبار الغفلة واللامبالاة ، ويوقظها من سباتها الطويل.. كالعقيلة زينب..

زينب حركت القلوب لتبين لهم جريمتهم التي ارتكبوها، سواء من شارك بشكل مباشر،  أو من سكت عن هذه الجريمة وقبل بها . حينما نادت فيهم “يا أهل الكوفة، أتدرون أيّ كيد لرسول الله فريتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ كريمة لن أبرزتم“.

 

العقيلة زينب صنعت تاريخا، أرخت فيه للأمة والمرأة نموذجا للعفاف والصلابة في الحق والصمود أمام الاعداء، وكشف الباطل الذي يعيث فيه المجرمون،

لذا من الواضح من سيرتها العطرة أنها مصداق لدعاء نبي الله إبراهيم في بداية استقراره على أرض مكة تمهيداً لنزول الرسالة الخاتمة، حينما قال:” ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة،” فهو قد طلب أن تكون ذريته ممن يقيمون الصلاة ويؤسسون لإقامة الدين.

ولإقامة هذا الدين فقد توالت على قلب حفيدة ابراهيم العقيلة الطاهرة جراح في كربلاء، وجراح في الكوفة، وجراح الشام في رحلة ألم طويلة ..

  

موكب يسير بمصيبة جمت في السموات والأرضين، مصيبة اقشعرت لها أظلة العرش، يحف بهم بكاء الموجودات كلها، وجميع الخلائق وبكت لها السموات السبع والأرضون، وما فيهن وما بينهن، كلها تصرخ بهم ماذا فعلتم بوصية النبي ؟

لقد رفعوا رأس زين السموات والأرض على رأس الرمح، أمام عيون حرمه وأطفاله وهن على ظهور الجمال يتصفح وجوههن العدو والصديق، جعلوا يشهرونهم في كل بلدة حتى جاءوا بهم إلى الشام …

                                                                                    إنا لله وإنا إليه راجعون

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى