٢ محرم – وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ – اليقظة، ومنهج القرآن في إثارة الفكر
عناصر الحديث
• عمق رسالة كل نبي، هو أن يكون الإنسان مفكراً، وألا يكون من الغافلين.
• يشترك جهاد التبيين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جهة الدعوة إلى الخير، لكنه يتقدم عليه بمفهوم أنه بذل الجهد مقابل عدو يحاول أن يعمي البصيرة.
• الدين الإلهي دين فكر بالدرجة الأولى، لأن الفكر هو الماكينة التي على أساسها يعمل سلوك الإنسان وعواطفه،
• الطاعة الساذجة الجزئية للدين تؤدي إلى فهم كارثي، ونتائج وخيمة.
• منهج التفكير في القرآن الكريم .
• بيان القرآن الكريم لوظيفة الإنسان في الدنيا، ومهامه، والأدوات التي يحتاج إليها .
ورد عن رسول الله ﷺقوله:” إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها ولا تعرضوا عنها“،
لو كشف عنا الغطاء لرأينا أنفسنا أمام مائدة ضخمة من الروحانيات وكم هائل من المعنويات . هذه الأيام نلمس حزن قلب زينب المقدس الذي ارتقى بها أن تقول (ما رأيت إلاّ جميلا). ونعرف روح علي الأكبر الذي قال (لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا ).
ونشعر بعطش العباس الذي جعله يقول (يا نفس من بعد الحسين هوني)
ونلمس عشق الإمام الحسين لله تعالى الذي جعله يقول (خذ يارب حتى ترضى).
هذه الأيام الحزينة من محرم الحرام تعتبر بحق كنز للموالي الشيعي الذي يعرف قدر آل بيت النبوة فلا يضيعها أو لا يسمح أن تمر عليه دون أن يأخذ منها حصيلته الكافية فيستغلها ليبني أساساً روحياً متين.
ينقل عن السيد القاضي والعلامة الطباطبائي وهم من أرباب العرفان أن هنالك أمران يختصران الطريق على الإنسان، يأخذان بيده سريعاً في طريق الإنسانية والكمال وهما ، تلاوة القرآن في منتصف الليل.والبكاء على سيد الشهداء .
يشتبه الإنسان حينما يجعل أكثر سعيه واهتمامه بالفروع من الدين، كيف يصلي أكثر، كيف يقرأ الدعاء أكثر، كيف يقرأ القرآن الكريم ويحفظه أكثر، في حين أن الخير كله هو في جوهر العبادة والدعاء والقراءة، المتعلق بتعديل جوهر الذات. ولا يوجد شيء يستطيع تغيير جوهر الإنسان وصقله مثل البكاء على الإمام الحسين ، فهذا العمل المقدس يقلب كيان الإنسان بشكل عجيب، ومن خلال هذا الإنقلاب في الجوهر تتغير الأفعال ويتحسن السلوك.
من الكلمات المأثورة التي ينبغي الوقوف عندها هي كلمة سيد الشهداء ليل عاشوراء ( وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ) ،
أي طريق، يسير عليه الإنسان فهو قائم على إرادة واختيار منه، ( سواء كان الاختيار خوفاً من الأهل والناس، أو تمرد على الأهل والمجتمع، أو قناعة، أو تقليد، أو هروب من الواقع)، المهم أنه سار عليه بناء على سابق تصميم وارادة.،
ولا شك أن عمق رسالة كل نبي، هو أن يكون الإنسان مفكراً وأن لا يكون من الغافلين، ويطلق على هذه الحالة في مصطلحنا الحالي “العيش بوعي”.
لذلك يبرز مصطلح جهاد التبيين الذي كان مهمة رسول الله ﷺ بالدرجة الأولى، ثم مهمة الأئمة الأطهار، ويشترك هذا الجهاد مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جهة الدعوة إلى الخير، لكنه يتقدم عليه بمفهوم، أنه جهاد، أي بذل الجهد مقابل عدو يحاول أن يعمي البصائر، ويقضي على وجود الإسلام في النفوس.
أن يكون الإنسان مفكراً غير غافل، هو من مصاديق جهاد التبيين الذي قام به رسول الله ﷺ بالدرجة الأولى حينما أمره الله تعالى به في الآية الشريفة ( لتبين للناس ما نُزِّل إليهم) وكما ذكر بالأمس فإن أولى مراحل جهاد التبيين عند النبي ﷺ وأهل بيته هو الانتباه إلى اليقظة، لأن النائم لا يمكن أن يفكر، فالدرجة الأولى تنبيه الإنسان أن لا يكون في ركب الناس الذي يسار بهم وهم نيام، بل يعزم أن يكون مستيقظاً حتى يتمكن من التفكير.
والكلام عن أهمية التفكير في الدين مفروغ منه، لا يحتاج التوسع فيه، فالدين الإلهي دين فكر بالدرجة الأولى لأن الفكر هو الماكينة التي على أساسها يعمل سلوك الإنسان وعواطفه، والإنسان دون تفكير هو في نظر القرآن كالأنعام، بل أضل من الأنعام، لسبب بسيط أن الأنعام ليس لديها عقل لتفكر به، فمن لديه عقل لا يستفيد منه، فسيكون دون مستوى الأنعام،
على مستوى آيات القرآن هناك تأكيد شديد على التدبر والتعقل وفتح ساحة الخلق على منهج التفكير فيقول : (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيات لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض ( إلى أن يصل إلى هذه النتيجة) رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). لم نخلق لنأكل ونشرب وننام، بل نبحث عن هدف الخلق ونسير إليه، ثم يقول (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
هذا التأكيد لأن من ضروريات الدين أن يكون الإنسان مفكراً أولا، ثم يطيع الله ورسوله، لأن الطاعة الساذجة الجزئية قد تؤدي إلى فهم كارثي للدين، إذا أُخذ الدين دون تفكير فمن الممكن أن تكون النتيجة قطيع من الخوارج ترمي الناس بالكفر، ليبقى الدين مقصوراً عليهم وحدهم،
أو أن يكون إرهابيا يبيح دماء المسلمين بعنوان أن الرسول ﷺ نصر بالرعب، أو يصبح صوفياً يرى الدين هو التأمل دون عبادات ومعاملات.
أو إذا أراد الدنيا فمن الممكن بحفظ القرآن أن يتخيل أنه قد جُمعت له الدنيا والآخرة، بالتالي إذا أراد أن يطبق آيات القرآن الكريم فسوف يطبقها وفق فهمه الخاص،
وإذا لم يكن ضمن أي من تلك الأقسام، فأبسط هذه الكوراث أن يتعامل مع الدين معاملة منظومة تعليم مدرسية قائمة على تعزيز فكرة ومعادلة يمكن صياغتها بالتالي أن هناك خالقاً قوياً له عدة صفات، وأنه يحب الناس، وأنه يطلب منهم التالي: ١- ..٢- .. ٣- ..، وسوف يكافؤهم في حالة القيام بالمطلوب، ويعذبهم إذا لم يفعلوا ذلك، لا شك أن تصوير الله والدين بهذا الشكل هو من أشكال الكارثة.
لذلك يدعو القرآن الكريم الإنسان للتفكير في خلق الله تعالى ليكتشف هدف وجوده، وهذا الهدف وإن كان يمكن أن يكتب بجملة أن يكون خليفة الله في أرضه لكنه مثل الطعم الحلو للعسل لا يمكن فهمه إلا إذا تذوقه الإنسان وفكر بنفسه، إذ: ما معنى أن يكون خليفة الله في أرضه؟،
وهنا نصل إلى سؤال، ما هو منهج القرآن الكريم في التفكير؟ كيف يفكر الإنسان؟ وبماذا يفكر؟ كيف يعرف أنه يفكر بشكل سليم؟ ما هو المنهج الناقد
يمكن تعريف التفكير في أبسط حالاته بأنه نشاط عقلي يحاول الإنسان من خلاله أن يحل مشكلة أو لغز أو يفتح طريق مسدود، أو ترتيب تعامل مع موقف جديد،
لنأخذ مثال : لو كان أي واحد منا في سرير نومه، ثم استيقظ ليجد نفسه في مخيم في الصحراء، هناك مجموعة من الناس يبكون، ويبدو من هيئتهم أنهم قد تضرروا، وهناك مجموعة أخرى من الناس تنقل مرضى، ووآخرين يقومون بتوزيع الطعام، ويجد نفسه مرتدياً ثياب هيئة الاغاثة، وعلى صدره سماعة طبيب، وبجانبه شنطة،
ما هو الموقف والشعور الذي يتملك النفس في هذا الوقت؟
لا شك أنه حيرة ودهشة وتعجب كبير، لأنه لا يعرف ما الذي نقله إلى هذا المكان،
وما هي الوظيفة المطلوبة؟
لو تخيل الإنسان أنه قد وضع يده في جيبه، وإذا به قد وجد ورقة فيها تخبره أن وظيفته هي طبيب اغاثة، ومهمته أن يعالج أي مصاب في هذه المنطقة، وكل الأدوات التي يحتاجها موجودة في حقيبة بجانبه.
فإذن عرف الوظيفة، وأدرك المهام المطلوبة، وعرف كيف يؤدي هذه المهام. فلا شك أن الحيرة قد زالت، فوق ذلك فهو قد وجد ورقة ثانية تبين أنه سوف يتلقى أجراً وقدره مقابل عمله سوف يستلمه بعد انتهاء المهمة ،
لقد أصبحت الصورة واضحة تماماً لأنه قد قرأ نصاً يشرح له تفاصيل الحالة الغريبة التي وجد نفسه عليها، وما هي التوقعات التي يمكن أن تصادفه وكيف يحلها ؟.
هذا هو بالضبط ما يحدث في الدنيا، ومن الطبيعي أن عدم وجود الحيرة والدهشة من سبب وجودنا في هذا العالم هو الأمر غير الطبيعي،
لذلك نجد الصغير يكثر الأسئلة عن كل تفاصيل ما يجده، وهذه هي الحالة الطبيعية في النفس، والآباء المربين هم الذين يستجيبون ويفرحون بأسئلة الصغار ،
بينما غيرهم من الآباء يسعون لإسكات الطفل عن توجيه الأسئلة، وإخماد حب السؤال فيه سواء بشكل مباشر، أو عن طريق تقديم أجهزة الألعاب له.
والتشجيع على إثارة الأسئلة هو بالضبط منهج القرآن الكريم في إثارة الفكر عند الناس، فيقول مثلا:” ألم يروا إلى الطير فوقهم مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله “، “ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون”، “ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون“.
استنكار من القرآن الكريم أن كيف يكون الإنسان غافلاً مع وضوح الدلائل أمامه، كما لو تم إرسال عدة رسائل مكررة لشخص بدعوة صريحة إلى البيت، ثم لا تأتي معللة ذلك بأنها لم تفهم أنها دعوة، فيأتي الرد الاستنكاري: وهل يعقل ذلك مع كل ذلك الوضوح في الكلام؟
هذه الاستفهامات دعوة للإنسان أن يثير في نفسه التساؤل بشكل دائم، حتى يبقى في حالة دائمة من البحث عن إجابة، لأن حالة السكون هي حالة جمود وموت.
فالأصل في النفس أن الإنسان يسأل عن هدف وجوده، بالتالي فإن عدم فهم هذه التفاصيل يجعل الإنسان في حيرة وتشويش، وقلق وتعب، وعدم قدرة على تحمل مواقف الآخرين، مثل سير سيارة في طريق ضبابي، الكثير من الناس يضايقه شعور عدم وجود هدف له في الحياة، وتتفاعل في نفسه أسئلة مثل: ما سبب وجود الشر والظلم في العالم، لماذا يصاب أطفال بالسرطان؟ لماذا تشريد آلاف الناس، لماذا يسجن الأبرياء؟ لماذا يموت الشباب وهم في بداية حياتهم ؟
وهذا الضيق سوف يستمر في نفس الإنسان ما دام لم يقرأ الورقة التي في جيبه، وهي دستور وجوده أي القرآن الكريم، وسوف يبقى في حيرة وقلق واكتئاب وضيق وكوابيس، وقد يشعر بالغضب تجاه الله سبحانه وتعالى، لأن الأمور غامضة بالنسبة له.
بينما من اطلع على ورقة البيانات التي تبين له قوانين هذا العالم الذي يعيش فيه، والسنن الإلهية والبشرية في العالم، وعن سبب وجوده، ماهي وظيفته، وما هي الأدوات التي يحتاجها لأداء الوظيفة، سوف يؤدي وظيفته وهو مطمئن، وإن صاحبها الألم لأنه يعلم أنه بمعية الله تعالى في كل وقت وأن هذه المعاناة سوف تنتهي إلى الحياة الحقيقية .
لذا، لابد لمن يشعر بالغربة، أن يبحث عن نص التعاليم الذي وضعه صاحب هذا العالم ليعلم سبب خلق الله هذا العالم، وما هي وظيفتنا في الدنيا .
لا شك أن أقرب شيء يدعو الإنسان للتفكير في أصل وجوده، هو دقات قلبه، ومن الذي ليس له دقات قلب، دقات القلب هي أول دليل يُعرِّف الإنسان أن حياته متعلقة بمن يحرك هذا القلب. حياتنا معلقة بحبل يد متى شاء أن يقطعه قطعه، لذلك ما دامت دقات القلب موجودة، فلا شك أن صاحب هذا الحبل مستحق للشكر والتقدير.
ثم لابد من الإلتفات إلى دقة عمل بدن الإنسان، من يطلع على شرح مفصل للجهاز التنفسي والهضمي في بدن الإنسان ابتداءً من حركة الفك، إلى الجهاز العظمي والعضلي الحركي، يمكن القول أن الإنسان يدخل مرحلة الإيمان بالله الأحد، وقبل ذلك كان مسلماً ورث الإسلام عن والديه، وما أحلى دعاء عرفة حينما يذكر الإمام الحسين تفاصيل كل ذلك، للتعرف والاطلاع بوعي على قدرة وعلم وإحاطة الله تعالى بالإنسان وبالوجود، فيوقظ الإنسان على صفات الله الحسنى، وعلاقته بها
لذلك فالإجابة عن سؤال الأمس: كيف نعرف أننا لسنا نيام؟
والجواب: إذا بدأ الإنسان يسأل ويبحث عن هدف وجوده، فهي بداية اليقظة وعلامة الوعي.
والكلام عن جهاد تبيين المعارف للناس ينبغي أن يبدأ من الأساس الفكري للإنسان، وإلا لا يقال للنائم لماذا حلمت بهذا ولم تحلم بذاك،
وبمقدار ما تشتعل في النفس هذه الأسئلة، وهذا البحث تُقاس درجة اليقظة، وإذا بدأ يبحث عن إجابات لأسئلته فهي علامة أنه صار يفكر، وهو لا يحتاج في الحصول على الإجابة إلى أكثر من أن يقرأ القرآن بغير طريقته التقليدية، وكأنه يقرؤه لأول مرة، ويقرؤه بكل شغف وشعور بالحاجة كأنها الرسالة التي وجدها وهو في كهف مظلم يبين له طريق النجاة، يعني انه في قرارة نفسه يشعر أنه لم يخلق للدنيا. وإنما لجوار الطيبين محمد ﷺ وآله الطاهرين .
وحينما يرى في نفسه الشوق الشديد لزيارة قبورهم ، لابد أنه سيخطط لئلا يبتعد عنهم بعد الدنيا .
إذاً، على الإنسان أن يعرف وظيفته وإلا فهو لا زال نائماً، والتعرف على الوظيفة يتم بفتح الشنطة التي معه، والبحث عن الورقة، وفتح القرآن الكريم،
لا شك ان أهم قصة من قصص القرآن الكريم تنفع الإنسان في هذا البحث، هي قصة آدم ، كل قصص الكريم لأخذ العبرة والعظات إلا قصة آدم فهي أكثر بكثير من كونها مجرد عبرة، بل هي قصة تأسيسية تؤسس حياة الإنسان، لأن الإنسان لن يتمكن من السكن في الطابق العشرين إلا بعد حفر مسافة تحت الأرض لا تقل عن ثلث الارتفاع، يوضع فيها الأساس، من خرسانة وحجارة وحديد، ثم يشرعون في بناء المبنى، ليصبح بناءً قوياً لا يمكن أن يقع ،
من هنا، فأساس حياتنا هي قصة آدم ، فآدم يمثلنا في القرآن، حينما تصادفنا آية بداية الخلق بنبي الله آدم ، حينما يبين لماذا خلقه الله تعالى بقوله للملائكة، ( إني جاعل في الأرض خليفة) ، إذاً، هذه هي الوظيفة : لقد خلقنا لنكون خلفاء الله في الأرض .
والخلافة كلمة ثقيلة يحتاج الكلام فيها إلى تفصيل طويل، لكنها باختصار ، تتمثل في الحديث (تخلقوا بأخلاق الله) ، الله جل جلاله رحمن ورحيم فتزين أيها الإنسان بالرحمة، الله كريم فتحلى أيها الإنسان بالكرم، واحذر أن تكون بخيلاً في مالك ووقتك وجهدك، بل حتى في فكرك وعواطفك، خلافة الله تعالى تعني ضرورة التحلي بصفات الله، والنتيجة كما ورد في الحديث القدسي : (يا عبدي كن مثلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون) ،
هذا هو الهدف وهي وظيفة الإنسان في الدنيا، أن يحمل صفات الله عز وجل في قلبه، ليكون محمدياً علوياً فاطمياً حسينياً،
من عنده هذا الهم؟ أن يسعى لتحقيق العصمة في نفسه من خلال التجمل بصفات الله تعالى؟ أن يكون جميلاً بجمال الله، بهياً ببهاء الله، وإذا صدر منه خطأ أو تقصير والإنسان لا يخلو من ذلك، فهناك باب الاستغفار والتوبة مفتوحٌ على مصراعيه للمؤمنين، فيسرع بالتوبة وخير الخطائين التوابون، ليكمل مسيرة التحلي بصفات الله ،
(إني جاعلٌ في الأرض خليفة )، هي وظيفة الإنسان في الدنيا،
ما هي المهمات ومراحل أداء هذه الوظيفة ؟ قد حددها القرآن الكريم
الأولى: على المستوى الشخصي العبادة : كما في قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، وهو عنوان عريض للحياة، أن يكون عابداً يعني تسليم أموره لله تعالى، أن ينوي نية القربى في كل حركاته بحيث كما يقول الإمام الصادق :”كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم“، ثم أيضاً بألسنتكم من خلال ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)
المهمة الثانية : إقامة القسط ، (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ( المعجزات) وأنزلنا معهم الكتاب ( معرفة منهج الله تعالى ) والميزان ( معرفة الصح والخطأ ) ليقوم الناس بالقسط)، أن يكون عادلاً في نفسه ومجتمعه ويرفع الظلم عن غيره .
المهمة الثالثة: إعمار الأرض، (أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها) ، الألف والسين والتاء التي تسبق الفعل تعطي الفعل معنى الطلب والسعي، أي جعلتم في الأرض من أجل إعمارها، والدعوة إلى إعمار الأرض ليس من خلال بناء المدارس والمستشفيات والمصانع فقط، لأنه مظهر بسيط لها، ولكن المهم هو في إعمار القلوب التي تسطيع أن تنجز كل ذلك لله تعالى، لا للنفس ، كم من المشاريع الخيرية بنيت لأسماء لم يعتن بها نية قرب الله تعالى .
ومن هنا يأتي دور جهاد التبيين الذي يدخل في أساس البنيان الإنساني، فإذا استعصى الامر في نشر الهداية تكمل الآية بقوله تعالى، (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد )، فإذا لم تنفع الوسائل السلمية، فلابد من إقامة العدل ورفض ودفع الظلم، فالحق والعدل لابد أن يقوم بالطرق السلمية، وإلا فهناك قوة الحديد ،
ولكن كيف نستطيع أداء هذه المهام؟ هل هناك أدوات ؟
الأداة الأولى: في بداية سورة الأعراف يقول الله عز وجل:” ولقد خلقناكم، ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم، ربط بين خلق الإنسان وتصويره وسجود الملائكة لآدم ، فالملائكة سجدت لجنس الإنسان، هذه أول أداة أعطاها الله للإنسان أي سجود الملائكة له ،
السؤال : كيف يمكن للإنسان الاستفادة من سجدة سجدتها الملائكة ؟
الملائكة هم من يدبرون أمور العالم ويديرون قوانين الطبيعة، ملك للجبال وللريح وللمطر ، فإسجاد الملائكة للإنسان معناه تسخير الكون له. وهو معنى قوله تعالى: “سخر لكم ما في الأرض جميعا .”.
فلا يمكن لأحد يوم القيامة أن يقول أنه لم يتمكن من طاعة الله تعالى لحرارة الجو ، أو حدوث زلزال مثلاً، لأن الجواب هو أن نفسك أقوى من كل الظروف ما دامت الأمور مسخرة لك.
خلقت النفس الإنسانية بحيث تكون مهيمنة على سائر المخلوقات، بإمكانها أن تكون اقوى من الظروف ، ولنا في المعتقلين الأحرار في فلسطين أوضح الأمثلة في الصمود وكيف أنهم باتوا أقوى من الظروف المشددة عليهم في المعتقل، بحيث استطاعوا حفر طريق الحرية الذي أبهر العالم بملعقة،
هذا التسديد يبين أن النفس إذا أرادت شيئاً لله تعالى سوف تحصل على التسديد. بالاضافة إلى أن من أنواع تسخير الملائكة للإنسان إرسال بوارق الرحمة من الله تعالى لتبيين الطريق.
فهناك فرص إلهية تنزل على الناس لإقامة الحجة عليهم، فهم بين أن يقبلوها وبين أن يرفضوها طلباً للسلامة أو للراحة، ومثل هذه الرحمات نراها في حياتنا كثيرا جداً.
ومن أمثلة تلك الرحمات الإلهية ما سطرته صفحات كربلاء المجيدة: فزهير بن القين ما كان ليكون زهير الذي نعرفه وعرفه التاريخ كأحد أهم أنصار سيد الشهداء، لو لم يلتفت إلى رسول الإمام الحسين وكلام زوجته السيدة دلهم بنت عمرو، حينما جاء إليه رسول الإمام الحسين فحاول أن يتجاهله، فقالت له زوجته: وهي دلهم بنت عمرو: سبحان الله، أيبعثُ إليك ابنُ رسول الله ﷺ ثم لا تأتيه؟! فلو أتيتَه فسمعتَ مِن كلامه. بارقة من الله الرحمن كان يمكن أن يتجاهلها ويخسر نصرة الإمام الحسين ،
وفي المقابل هناك عبيد الله بن الحر الجعفي الذي استنصره الإمام فقال:” أنا رجل ذو مال وشرف وعشيرة والله ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن تدخلها وانا فيها ولا أنصرك، ولكن هذا فرسي ورمحي فخذهما إليك، فقال الإمام :” لا حاجة لنا في فرسك ومالك وما كنت متخذ المضلين عضداً، “.
مثل هذا الإنسان جاءته فرصة رحمة الله لتفتح له أبواب جنان الرضوان على مصراعيها جوار الإمام الحسين في الجنان، لكنه رفض هذه الفرصة .
فالاداة الاولى التي تساعد الإنسان لاداء مهامه في الحياة تسخير الملائكة،
واليوم، ما يجري في العالم في فلسطين وفي اليمن، كل الأحداث حجة علينا في نداء ( ألا من ناصر،) خصوصا حينما نلاحظ قوماً في التاريخ وصفهم الفرزدق بقوله قلوبهم معك وسيوفهم عليك .. كل ما يحدث حولنا الآن هو حجة علينا، ودائما الله يلقي الحجج على الناس لعلهم ينتبهون ..
والحمد لله رب العالمين
زر الذهاب إلى الأعلى