الكرامة الحسينية

تابع نماذج من معالجة القرآن للهشاشة النفسية – ٦ محرم

وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ – تابع نماذج من معالجة القرآن للهشاشة النفسية ٦ محرم 

  عناصر الحديث

من معالجة القرآن لهشاشة النفس: 

  تأكيد القرآن الكريم أن الإنسان هو روح بالدرجة الأولى قد ألبست جسداً لضرورة تواجدها في الحياة الدنيا

– إعطاء نماذج لتثبيت النفس كالإنفاق في سبيل الله

    الالتزام بشريعة الله تعالى وتطبيقها.

– من أهم أسباب اختيار الباطل هو نسيان ميثاق الربوبية .

خطورة ( الأنا ) في حياة الإنسان

السلام على أنصار مولانا الحسين ، الذين فازوا بنعيم الدنيا والآخرة ،

والحديث عن أنصار الإمام هو حديث عن أفضل الأنصار رتبة، وأسماهم مقاماً، لا لأنهم قتلوا في سبيل الله تعالى فقط، بل لأنهم قتلوا في مقطع زمني قلّ فيه الناصر، وتهافت فيه الناس على الدنيا .

وامتازوا دون غيرهم من الأنصار، بأنهم كانوا يعلمون بشهادتهم، ومتيقنين من عدم بقائهم في الحياة، ومع ذلك ذهبوا مع إمامهم موطنين أنفسهم على لقاء الله تعالى، يتسابقون إلى الشهادة، ويوصي بعضهم بعضا بإمامهم ويتمنون لو أن لهم أكثر من جسد وروح ليبذلوا ذلك في سبيل الدفاع عن إمام صادق اليقين.

قال في حقهم الإمام الحسين :”إني لا أعلم أصحابا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر وأوفى من أهل بيتي “.

واستحقوا بهذا الثناء العظيم خطاب الإمام الصادق لهم:” طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم“، ليكررها الزوار على مدى الأزمان والأجيال.

وهم من يدور حولهم الحديث،  حينما قال الإمام الحسين :”وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ” ،

فمن الناس من يسلك أفضل الطرق، لأنه عرف قيمة روحه، وأنها نفخة من روح الله تعالى ليس من العقل والحكمة أن يبيعها ألا بجوار الحسين ، كما يقول أمير المؤمنين : “إنه ليس لأرواحكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها “. يخاطب الناس بلسان التجارة الذي يأنسون به ويعرفونه، وكل انسان يرغب في استثمار ما لديه ليحصل على أفضل الصفقات.

فمن لا يعرف قيمة روحه فهو يبيعها بدنيا يصفها أمير المؤمنين بأتفه الأمور التي يقع عليها بصر الإنسان، كورقة في فم جرادة، أو كعفطة عنز.

كان الكلام عن الأمور التي تمنع الإنسان من سلوك طريق الحق، وذكر منها الغفلة، وغياب الوعي وعدم إعمال التفكير في مهام الأمور، ومنها الهشاشة النفسية، التي أهم ميزاتها أن يكتفي الإنسان بالعلم بالشيء دون فهمه، فكثيراً ما يكون هناك علم بأن الله يرانا، ولكن لا يوجد مقابله وعي بأن الله يرانا،

في الغالب يتخيل الإنسان أنه في محضر الله تعالى وأن الله يراه وقت الصلاة فقط. لكن لو تم تصوير حركته لمدة أسبوع لأربع وعشرين ساعة متواصلة، ثم عرضت عليه بعد فترة، يكون في الغالب قد نسي كل تلك التفاصيل، فهو قطعاً سيفاجئ بذلك، ولابد أن يخطر بباله سؤال سوف يوجهه الإنسان لنفسه هو : هل كان الله يرى كل ذلك ؟

والفرق بين العلم والوعي يصنع التسليم بشكل أساسي، بل هو البارقة التي حدثت لرجل حينما سأل أمير المؤمنين :أو يغفر الله لي فاحشة ارتكبتها؟” فقال له  .. نعم.. إن تبت وصدقت. فشكر الله وظهرت آثار الفرح على أسارير وجهه .. ثم مشى خطوات ثم رجع وقد تغير وجهه .. فقال له:” أوكان يراني عندما كنت أعصيه”؟ فأجابه  :”نعم، فصرخ الرجل وخر مغشيا عليه.” هذا الإحساس برقابة الله نتيجة إدراك وفهم أن الله يرانا يورث حالة من الدقة في التعامل مع النفس.

ومن أسباب الهشاشة النفسية: خلط في فهم قواعد الحياة،

مثل عدم فهم قانون البلاء في الحياة، وأن البلاء هو وجه آخر للحياة ينعم الله تعالى به على الإنسان ليعمق سعة وجوده وروحه، كما في قوله تعالى:” أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ “، فالآية تحكي ضرورة وجود البلاء لمعرفة درجة ايمان الإنسان ، وصقل عياره. 

والبلاء لا يكون فقط بالمواقف الصعبة، بل حتى بالترف فيقول تعالى :”وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً“، ويقول تعالى :” فَأَمَّا الإنسان إذا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ“.

وغالباً الإنسان لا يفهم ابتلاء النعمة، فيفهم إقبال الدنيا عليه على أنها كرامة من الله تعالى له ، (رب أكرمن)، متى يظهر أنه قد فهم معادلة الابتلاء أم لا ؟ يظهر ذلك في وقت الشدة، فَإذا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إذا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ، بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُون “. والموقف السليم المطلوب منه هو اعتبار العطاء والحرمان اختبار بالقول :”قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ.

ويعالج القرآن الهشاشة النفسية من جهة أخرى في تأكيده أن الإنسان هو روح بالدرجة الأولى قد ألبست جسدا لضرورة تواجدها في الحياة الدنيا، فأكبر غلطة يرتكبها الإنسان أن يعتقد أن نفسه هي جسده، فإذا سمع أن الجسد قد كبر في السن وتعب، فيعتقد أن نفسه قد شاخت أيضاً .. وإذا سمع أن الدود يأكل الجسد في القبر.. يشعر بالخوف..

لذلك أهم خطوة في طريق تثبيت النفس أن يعرف أنه غير الجسد. يبين الله تعالى في الآيات (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم)، أن التوفية تعني أخذ الشيء كاملاً. وأن حقيقة الإنسان الكاملة هي في الروح وقد انتقلت إلى عالم آخر، وأما الجسد فقد كان قالباً وقشراً لا أكثر . .. ولا أحد يتناول قشر الفستق ؟.

وعليه، فمثل هذه الآيات تدعو إلى أنه لا ينبغي أن ينصب الاهتمام بالجسد أكثر من الروح، لأن الجسد يكبر ويشيخ، ولكن النفس تنمو كلما كبر، (إذا شاب المؤمن شب عقله)، (ما ضعف بدن عما قويت عليه النية).

وجدير بمن ينظر إلى المرآة ليتأكد من حسن مظهره ، أن يتأكد من حسن باطنه أيضا، وأن الروح تتمتع بجمال حواسها، واهم جوانب جمال الروح يتمثل في الرضا بعطاء الله تعالى، ما أجمل أن نحب ما اختاره لنا الله، والمحب لا ينتقد هدية وصلته من محبوبه، وكيف يتمكن الإنسان من قول يارب خذ حتى ترضى وهو لم يرض (بأنف) وهبه الله إياه؟

وهناك طريق آخر لمعالجة الهشاشة النفسية في القرآن الكريم من خلال طرح الإنفاق في حياة الإنسان ليكون وسيلة ليوسّع من روحه، وكأن المال أو البخل والشح الروحي، هو حجر عثرة يقف في طريق الإنسان، يسبب (تجلط) في المسار، فإذا قدمه سار تيار الحياة بسلاسة.

يقول الله تعالى :” ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ“.

والقرآن الكريم يبين أن هناك علاقة بين الانفاق وطهارة النفس، في قوله تعالى: ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ، ويحدد هدف الإنفاق والصدقات في ابتغاء مرضات الله تعالى وتثبيت النفس، وأن الصدقة كعمل يقربنا إلى الله له نتيجتان: الأولى نمو عمودي إلى الله تعالى أي ارتباط  بالله، وتثبيت النفس من خلال ذلك، لانها إذا  تخلصت من حب المال فهي قد كسبت في المقابل ثباتاً روحياً، والثانية نمو أفقي: من خلال الارتباط بالفقير وبالناس، يقول الإمام العسكري :”خلتان ليس فوقهما شيء، الإيمان بالله، ونفع العباد“.

وقد وصف القرآن الكريم المنفقين في سبيل الله بمثال لطيف فقال:” كَمَثَلِ جَنَّةٍ“، و(جن )في اللغة بمعنى (ستر )، ولذلك سمي البستان الكبير (جنة)، لأن الزرع الأخضر فيه كثيف لدرجة أنه يستر من يدخله. فالمنفق في سبيل الله بإنفاقه كمن قد دخل جنة كثيفة الزرع، وهذه الجنة تقع على ربوة عالية، وهذا الأمر له ميزات يحميها من معاناة ما تعاني منه الأرض المستوية، التي ينزل عليها المطر فيروي الأشجار، فإذا جف الماء اصفر النبات ومات،

لكن الجنة في الربوة العالية تستقبل مياه الأمطار، وتخزنه في الأراضي الأكثر انخفاضاً منها من خلال المياه الجوفية التي تؤمن مصدر للماء للنبات، فيعطيه حياةً طويلةً واخضراراً دائماً .

لذلك يصفها بأنها:”آتت أكلها ضعفين“: وإذا كان الضعف هو ما يساوي الشيء مرتين، فالضعفان يساويان الشيء أربع مرات؛ (وإن لم يصبها وابل فطلّ” أي المطر الخفيف الذي تكتفي منه بحاجتها .فمثل هذا الإنسان المنفق الذي يضمن له الإنفاق حصيلة وخزينة روحية، فهو مصان ومحصن من الهشاشة الروحية،

كذلك، في معالجة لهشاشة النفس، يربط القرآن الكريم ثبات النفس بالالتزام بتطبيق الشريعة، حينما يخاطب القرآن أهل الكتاب بقوله تعالى ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ) (لستم على شيء) أي أنكم لن تكونوا مستقرين في موقع ثابت يضمن لكم الاستقرار الاجتماعي والنفسي حتى تقيموا كتاب الله تعالى.   

   

لذلك يرد قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، دعوة للانتقال من الإيمان الاجمالي إلى الإيمان التفصيلي. وكانه يقول لا تكتفوا بدرجة من الإيمان بالله، بل لابد من زيادة جرعة الإيمان لتثبيت النفس ..إحداث نقلة في النفس من الإيمان العام إلى الإيمان الخاص .. بارتقاء في درجات الإيمان. وتعزيز نية القربى عن طريق عبادة إضافية مستحبة، أو خدمة مؤمن محتاج، أو نصرة مظلوم، أو ابتسامة بوجه قريب ..

وفي كل اللحظات، ينبغي أن يحرص الإنسان المنفق أن لا يضيع حصيلته ورصيده، فلا يكن كالبرميل المثقوب ..يملأ من جهة، ويفرغ من جهة أخرى، كقوله تعالى :” ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) .. من جهة، قد استهلكت الصوف، والقوة، والجهد، في غزل الصوف، ثم في لحظة ضعف سحبت خيط فضاع كل جهدها .

لذلك حينما يصف القرآن المؤمنين لا يكتفي بوصفهم بالهداية وأنهم مهتدون، بل يستعمل تعبير ( على هدى من ربهم)، وكأنهم مسلطين ومسيطرين على قيادة على مركب الهداية. لأنهم في سعي متواصل لحفظ حصيلتهم الإيمانية، والاستزادة من غيرها.

وفي المقابل، تبين الشريعة أن كل لحظات الشرك بالله تعالى هي تسافل وسقوط بين السماء والأرض، كما جرى في القضية المخيفة حينما كان رسول الله جالسا مع مجموعة من أصحابه فكشف لهم رسول الله عن أسماعهم فسمعوا صوت دويٍّ كبير، تعجبوا منه فقال لهم رسول الله إنه صوت حجر كبير كان يهوي في جهنم منذ سبعين سنة، وقد استقر الآن في قعر جهنم” . وبعدئذٍ سمعوا أن أحد المنافقين مات عن عمر سبعين سنة، أي أنه منذ بداية حياته كان يسقط من مستوى إنسانيته، ومن هنا، يقال أن الإنسان في كل لحظة فهو إما في صعود إلى الجنة، أو هبوط إلى النار ،

وليس معنى الشرك يتحقق بعبادة الأصنام، بل عدم إدراك مضمون كلمة التوحيد( لا إله إلا الله)، لأن جوهر كلمة (لا إله إلا الله) هو تعلق القلب بالله تعالى، وحينما يتعلق بغير الله، ويرجو غير الله، ويخاف من غير الله، فهنا يعيش التشتت والتردد بين جانبه الإلهي في صلاته وعباداته التي يخاطب بها الله بلفظ العبودية، وبين حياته الدنيوية الأخرى التي يرتبط قلبه بها، فهذه المرحلة من العلاج القرآني للهشاشة النفسية هو السعي لزيادة الإيمان بالله .

ثم هناك سبب مهم جداً من أسباب اختيار الباطل أو الاشتباه في فهم الحق.

بل لعله أهم هذه الأسباب: وهو نسيان ميثاق الربوبية: هل يعرف الإنسان أن هناك عقد بينه وبين الله تعالى على أن يقر بأنه عبد وأن الله ربه؟

هناك آية في القرآن عرفت بآية الميثاق وهي قوله تعالى:”وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ألست بربكم قالوا بلى أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين “. هذه الآية تعني أن هناك معرفة فطرية في النفس لله تعالى، والإنسان بينه وبين نفسه ملتزم بنتائج هذه المعرفة، وهذه المعرفة لافطرية هي ألف باء الدين، لأن الدين قائم على العلاقة الثنائية بين الله تعالى والإنسان، الله جل جلاله رب، والإنسان عبد، ومن أهم بنود هذا الاتفاق قول الإنسان ( لا حول ولا قوة إلا بالله) لتحقيق عبوديته، أي ينزع عن نفسه كل قوة وكل قدرة،

عهد الربوبية أن يقرأ العبد دعاء عرفة ويحفظه، (يامَوْلايَ أَنْتَ الّذِي أَنْعَمْتَ أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ ثُمَّ أَنا ياإِلهِي المُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي. أَنا الَّذِي أَسَأْتُ أَنا الَّذِي جَهِلْتُ أَنا الَّذِي غَفَلْتُ أَنا الَّذِي وَعَدْتُ أَنا الَّذِي أَخْلَفْتُ أَنا الَّذِي نَكَثْتُ فيستغفر العبد من كل لحظة فكر أن ينسب القدرة على أداء الأعال ، والنجاح الذي حققه إلى نفسه ..  (أنا الذي تجرأت، وفكرت أني يمكن أن أقوم بعمل بدونك)

هذه العلاقة الثنائية العبودية والربوبية تفرض على الإنسان أن لا يقول (أنا ) فينسب لنفسه قدرة أو علم أو نجاح،

ولا شك بخطورة هذا الأمر ، في ترديد كلمة الـ (أنا) لدرجة أن القرآن الكريم يقول باستنكار “أفرأيت من اتخذ إلهه هواه“، أي أن النفس تتضخم بحيث ينظر صاحب الأنا إلى نفسه على أنه لا يخطئ، فالأنا تجعل الإنسان يفترض في نفسه العصمة، وهذا أمر خطير في تأليه للنفس.

والمعنى الثاني للآية أن الإله هو القبلة أي الوجهة التي يتوجه لها الإنسان فلما يصير إلهه هواه فهذا يعني تقديم النفس كأولوية في الأهمية، في الأحداث لا يرى إلا نفسه ، يقول الشيخ بناهيان:” ليس العيب أن يكون فيك عيب، بل العيب أن لا تبحث عن عيوبك، وأن لا تصلح عيوبك”، من يقف على عيوبه فهو دليل على صحته النفسية، لذلك لما تقول الرواية “حاسبوا أنفسكم” فمن معانيها ضرورة المحاسبة والمتابعة اليومية حتى لا تكبر النفس نمواً خطأ. وتتضخم وتؤذيكم بحيث تأسر العقل.

من سلبيات دورات التنمية البشرية هو التوجه الشديد نحو إبراز (الأنا) في الإنسان، وإن كان هناك في المقابل توجه عند البعض تحذير من (الإيجو) وهي النفس المتعالية. وأن النفس ضعيفة في ذاتها تحتاج إلى الاتصال بالمصدر دائما لتستمد منه القوة.

لاشك أن الكلام إلى هنا سليم، ولكنه ناقص جداً، إذ أنهم يعززون فكرة أن الإنسان لا يحتاج إلى شريعة، بل حياته محكومة بإطار يتضمنه هو والله فقط ، يستمد القوة من المصدر ( الله تعالى) لتتعاظم ذاته.

وللاسف في بلادنا لم يتركوا الشريعة فقط، بل صار التركيز على الأنا المتعالية وترك المصدر. وهذا هو بالضبط لسان ابليس حينما أبى واستكبر عن أمر الله تعالى، بقوله ( خلقتني من نار وخلقته من طين). وتجارب الدنيا من الأفكار التي تدخل المجتمع هنا وهناك، من آلاف السنين وإلى اليوم، تعزز أن كل فكر بعيد عن الدين وأهل البيت هو فكر باطل،

كما يقول الإمام الباقر لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: “شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت“، وفي حديث: “ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق إلا ما خرج منا أهل البيت وإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطاء منهم والصواب من علي “.

فمن اسباب اختيار الباطل، نسيان ميثاق الربوبية: أن الله رب، والإنسان عبد، والله تعالى يقول: (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم في عهد الله تعالى لا يكون الجزاء بمقدار الحسنة نفسها فقط، بل أحياناً يقول أنه ضعف العمل، وأحياناً عشرة أضعاف، أو 700 ضعف، أو 1400 ضعف، أو بعدد غير قابل للعد ، هذا عهد الله .

من جاء بالحسنة فله خير منها “،  من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها“، “مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة” أي 700 ضعف (والله يضاعف لمن يشاء) يعني 1400 ضعف (والله واسع عليم) أي عدد غير قابل للعد.

     لذا إذا قام الإنسان بعمل الخير قد يصعد عشر درجات، أو اكثر، وأحياناً يمكن أن يصل إلى درجة أن (ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين)، لمجرد أن هذه الضربة صدرت من روح كعلي ، فغير معلوم كيف يجازي الله العبد، كله عهد الله، والله تعالى يفي بعهده بكرم وسخاء .

   ولكن المهم (من جاء بالحسنة) لا (من فعل وقام بالحسنة)، أي من حافظ عليها حتى أوصلها معه إلى الحساب والميزان يوم القيامة.

    

كربلاء كشفت وجه الدنيا لتظهر لنا الآخرة، وجسدت قول الإمام الحسين :”ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً“. حتى تسابق أصحاب الإمام الحسين إلى الموت واستعذبوا الموت بين يديه،

أصبح الحسين يوم السادس من المحرم، وإذا بالجيوش قد أحاطت به من كل الجهات ومنعوه من الماء، فجمع أصحابه وأخبرهم بخطورة الأمر، وقال لهم :”من منكم يريد السلامة فلينصرف فهو في حل، حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لك، هذا الليل فاتخذوه جملا فإن القوم لا يطلبون غيري“.

فقالوا : ولِمً نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبداً، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك

مسلم بن عوسجة: (أنحن نخلي عنك وبماذا نعتذر الى الله في أداء حقك، أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتى أموت معك).

سعيد بن عبد الله الحنفي: (والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك أما والله لو علمت إني أقتل، ثم أحيا، ثم أحرق حياً ثم أذرى يفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً).

زهير بن القين: (والله وددت إني قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف مرة وأن الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك).

نافع بن هلال الجملي: (ثكلتني أمي فوا الله الذي منَّ بك عليّ لا أفارقك حتى يكلا عن فري وجري).

برير بن خضير: (يا ابن رسول الله، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة).

حتى قال فيهم عمر بن سعد لاصحابه أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز إليهم أحدٌ منكم إلا قتلوه على قلتهم لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم.

                                                              إنا لله وإنا إليه راجعون

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى