وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ – معالجة النظرة النقدية للدين – ١١ محرم
عناصر الحديث
▪️ من المفاهيم التي لها التأثير السلبي المباشر على سلوك الإنسان هو أنه يرى أن الدين لا يستحق أن يبذل جهده في الدفاع من أجله، لأنه لا يؤمن له الحياة الكريمة، ويرى حسب الظاهر أن هناك صوراً من عدم العدل في العطاء الإلهي بين الناس.
▪️( ما رأيت إلا جميلا ) تبقى هذه الكلمة من الكلمات الخالدة في التاريخ التي تعطي صورة عن جمال روح السيدة العقيلة زينب ، وكذلك تجيب على سؤال في أذهان الكثيرين من الناس، لماذا التفاوت في العطاء الإلهي للبشر.
قال الله تعالى: “قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ “
ذكرت خلال الأيام الماضية أن هناك أموراً تجعل الإنسان متخاذلاً عن نصرة الدين هي ضعف النفس وغفلتها.
كذلك من المفاهيم التي لها التأثير السلبي المباشر على سلوك الإنسان، بل سلوك الإنسانية بشكل عام، هو أنه يرى أن الدين لا يستحق أن ندافع من أجله، لأنه لا يستطيع أن يؤمن له الحياة الكريمة، وحسب الظاهر يرى أن هناك شيئاً من عدم العدل في التفاوت بين البشر، وهذا المفهوم هو ما تعرضت لها هذه الآية المباركة.. لماذا هناك تفاوت في العطاء الإلهي بين الناس؟
لماذا يولد إنسان من عائلة غنية، متوفرة احتياجاته الضرورية والكمالية، وآخر من عائلة فقيرة يعاني طول حياته،
لماذا يولد البعض بصحة وعافية، وآخر ون مرضى يعانون شتى أنواع الأمراض ؟
لماذا تُصَب المشاكل على مجموعة من الناس، ويبقى الاخرون بلا مشاكل؟
لماذا هناك من ينام طول النهار ويزداد رصيده في البنك براتب عمل لم يعمل فيه، وهناك من يعاني ليلاً ونهاراً ليحصل على لقمة العيش التي لا تكفيه لأكثر من يوم واحد،
لماذا يتنعم بعض الناس بكل كماليات الحياة بينما فئة كبيرة من الناس محرومين من أهم اساسيات الحياة؟ وهناك الكثير من أمثال هذه الأسئلة.
مع الوقت، ومع مقارنة نفسه بالآخرين، قد تصيبه حالة نفسية قاتلة من الضيق تدمر النفس، ولذلك بعض الناس يعترض فيقول كلمات غير مسئولة عن الله تعالى، أين العدل في الدين، أو مقولات مثل (كان من الأفضل لو لم يخلقني الله تعالى)، أو ( لماذا يعرضني الله لهذا الموقف الصعب)، وفي الحقيقة، فالسؤال فيه دلالة على عدم فهم معنى عطاء الله..
هل القول بأن الحياة غير عادلة صحيح؟ هل الحياة غير عادلة؟ طبعا الحياة غير عادلة. لكن من هو سبب عدم العدل؟ السبب هو الإنسان نفسه إما في عمله أو في فهمه،
وسبب عدم العدل في ما يعمله الإنسان وما يقوم به كما يقول الله تعالى، (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)، والقرآن الكريم يقرّ بأن الدنيا لا عدل فيها، حينما يصف يوم القيامة (لا ظلم اليوم)، ففي الدنيا هناك طغيان الإنسان في التجارة، وتعامل القوي مع الضعيف، وعدم التحرج في ايقاع الظلم عليه، وتجاوز حدود الملكية، وغير ذلك.
فهذا الظلم هو من جهة الإنسان، نتيجة تدني مستوى المجتمع الفكري، الذي تقوده وزارات التربية والتعليم التي يكون التربية والتعليم آخر اهتماماتها، بحيث يقدم الإعلام المضل الفاشلين الذين ينشرون التفاهة في المجتمع على أنهم أقطاب النجاح ويحصلون على التكريم وتأييد ملايين من خلال عرض بضائع، وتسويق أو حتى فيديوات فاقدة للمضمون الجاد. ويؤخر الجادون واصحاب الشهادات العلمية الرفيعة، الذين يقدمون أعمالاً جليلة للوطن،
هذا مثال للظلم وعدم وجود العدالة في الدنيا، نتيجة صنع الإنسان، ولا ينبغي أن يقف الإنسان عند حد الشكوى لأنها تخلق إنساناً كسولاً، بل يستلزم أن يشد حزامه للاصلاح في المجتمع بحركة إصلاحية لحل ذلك الوضع.
وقد يوجه الإنسان رؤيته في كون الدنيا غير عادلة باعتبار تفاوت في العطاء الإلهي للناس نتيجة خطأ في تصوره وفهمه.
أولاً : خلل في إدراك مفهوم الرزق:
فيقتصر على أن الرزق هو الشيء الذي يفقده فقط، فإذا لم يرزقه الله تعالى مالاً يشعر بعدم عدل الله تعالى الذي أعطى غيره المال وحرمه، وعدم النظرة الكلية إلى النعم الأخرى التي وهبت له.
أو أنه يفهم الرزق على أنه في الشكل فقط حينما يرى غيره أجمل منه، فقد يعترض على شكله أو فقره وتوزيع الرزق، وربما لو اطلع على الحياة الشخصية لذاك الثري سيرى أنه حرم نعمة هي في متناول يديه، ولو تتبع ذلك لاكتشف أنه من أعظم أثرياء الدنيا بما أعطاه الله من ذكاء وإن كان فقيراً مادياً، مقابل من يملك الأولاد والمال، لكنه يتمنى أن يحصل على دواء لابنته المريضة، وذاك الذي قد أعطي المال والجاه، لكنه يراجع المستشفيات بشكل يومي لعلاج أمراضه .
فإذا ما توقف للتأمل قليلاً بالنعم التي لديه سوف يستغني عما في أيدي الناس، ورد عن بعض العلماء الذي بالكاد يجد لقمة عيشه، في وصف لذة العلم والمناجاة التي يجدها مع الله ومطالعة الكتب، “لو علم الملوك ما نحن فيه لقاتلونا عليها بالسيوف“، لا شك أن كل إنسان لو تمعن فيما عنده سيجد أنه افضل حالاً من صاحب المال بكثير، من هنا، ينبغي توسعة النظرة لعطايا الله وعدم الاكتفاء بصورة واحدة فقط.
إذا ، يمكن أن تصدر كلمات حادة وغير لائقة بحق الله الكريم الرحيم، ما كان ينبغي أن تصدر منهم، في مجال المقارنة بين حاله وحال الآخرين، وفات كل هؤلاء الناس أن الله العظيم الرحيم قد قدر الأرزاق على عدة صور وأشكال منها المال، ومنها الصحة، ومنها السمعة الطيبة، البيت الطيب، الصحبة الصالحة، التوفيق في الإنجاز، ومنها الكثير مما لا يعد ولا يحصى، وهو لم يدخل إلى خفايا بيوت الناس، وعرف ماذا ينقصهم، لذا من الضروري أن لا تفهم المعادلة خطأ.
وهناك جهة ثانية في خطأ الفهم، فيغيب عن فهمه أن توزيع الرزق بناء على حكمة يستقيم بها نظم وأمر المجتمع، كما في قوله تعالى:” وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرض ولكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌا“، أي أن الله تعالى لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان على بعضهم لبعض، وهو مما ينطبق عليه وصف أمير المؤمنين في وصف طالب الدنيا بأنه( منهوم لا يشبع)، ولكن تبارك الله جل جلاله يعطيهم ما يختاره سبحانه مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بالمصلحة، وفي هذا التوزيع تتحقق مصلحتين :
المصلحة الأولى: تكامل المجتمع بحيث يحتاج البعض منهم الى البعض، كما في قوله تعالى:” أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ “الزخرف ٣٢،
وهذا يعني أن طلب الإنسان تساوي الأرزاق هو طلب شيء مستحيل، لاستحالة إدراك الغنى للجميع، لأن التفاوت في المال والطبقة المعيشية هو من سنن الله تعالى، وهو مقتضى طبيعة الإنسان، لأسباب متعلقة بحاجاتهم المادية، كما تذكر الآية الشريفة:” ليتخذ بعضكم بعضا سخريا“، كما هو الحال في تخيل مدينة كل أفرادها بدون استثناء، هم ملوك وأصحاب عقارات وأموال وقصور، لا شك أنهم سيفتقدون النعم البسيطة التي يقوم بها العمال من الطبقة المتوسطة، فمن سيبني للناس منازلهم، ومن سيقوم بتنظيفها، ومن سيخبز الخبز،
كقصة من كانوا في مركب انكسر بهم فنجوا إلى جزيرة فيها القليل من الشجر، ففكروافي بداية الأمر أن يزرعوا ليوفروا طعام لهم للأيام القادمة، في الأثناء اكتشفوا منجماً من الذهب، فصاروا يجمعون الذهب، حتى صار كجبل كبير، وبعد فترة من الجمع ، وحلول الشتاء، وانتهاء موسم الزراعة ، اكتشفوا أنهم لم يزرعوا شيئاً، فماتوا من الجوع.
إذا ، من المستحيل بقاء الناس على درجة واحدة من المستوى المادي، فحتى تستقيم الحياة على الأرض لابد من اختلاف مستويات المعيشة واختلاف الاستعدادات للعمل ، لذا اراد الله تعالى من هذا التفاوت أن يستمر بقاء سنة الحياة، فهذا ينفع بماله، وذلك بعمله ومجهوده وذاك بعقله، وذاك بلسانه، إلخ ، فالمنفعة تدور بين الناس، وهذه الحكمة الاقتصادية الإلهية حتى يتم ضخ المال بطريقة دائرية .
ومن هذا تنتج هناك حكمة إلهية أخرى هي غرس المودة بالقلوب، بالصدقة والتراحم الذي يقدمه الأغنياء للفقراء من جهة، ودعاء البعض لبعض، حينما تنعطف القلوب على بعضها البعض فيتحقق الجسد الواحد للمؤمنين من جهة أخرى.
المصلحة الثانية: متعلقة بالابتلاء: الدنيا قائمة على الاختبار، الموت والحياة والصحة والمرض والغنى والفقر، إنما اموالكم وأولادكم فتنة. “لا تلهكم اموالكم واولادكم عن ذكر الله“، وكيف سيكون الاختبار إذا تساوى الناس في كل المميزات، بل أن القرآن الكريم يصف الذين يغبطون الغني على غناه بأنهم لا يعلمون( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ( اصحاب النظرة الضيقة) يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)
من الذي يقول أن المال هو دائما نعمة؟ الذي يرى أن الغنى أفضل من الفقر ليقرأ روايات عقبات يوم القيامة، وسؤال عن نعم الله فيم أفناها، وكذلك قول الله تعالى:” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون“، لأن اختبار الإنسان قائم على بذل ما يحب، ولو كان الناس في مستوى واحد فكيف سيكون اختبار الله تعالى للناس بالصدقة وبذل ما يحب الإنسان ؟ بينما في حال تفاوت الناس قد يحصل الفقير على درجة كاملة، لعدم وجود أية واجبات مالية في ذمته، بينما يفشل الغني في الاختيار لأنه قد امتنع عن تقديم الخمس مثلاً.
ولو كشف لهم الغطاء، لعل أولئك سيقولون عكس هذه المقالة، (ما أصعب امتحانه وما أسهل امتحاننا). كما إذا دخل جماعة امتحان لتحديد مستوى لدخول الجامعة مثلاً، وكانت الأسئلة صعبة جداً بحيث فشلت المجموعة ولم تحقق النجاح، فهم حينما يدخلون الاختبار مرة ثانية وتكون الأسئلة سهلة لن يتذمر أحد منهم، بسبب عدم وجود الأسئلة الصعبة، بل بالعكس سوف يفرحون.
ومن سنن الشريعة أنه كلما صعب الامتحان، كلما علت درجة الإنسان، كما أن درجة البكالوريوس ليست كدرجة الدكتوراه، فالله تعالى لا يريد للمؤمن حافة الجنة، بل يريد له الفردوس الأعلى في رفقة الطيبين والصديقية والشهداء والصالحين، ولذا يعرض عليه هذه الدرجة من الابتلاء، فإذا رفضها وطلب الدنيا، يقول في حقه ( نوَلّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)
ولو تيقن الإنسان أن المال والصحة والأولاد وسعة الحال والظروف الطيبة كلها اختبارات وكلها اسئلة صعبة، وكلما كانت شاغلة عن ذكر الله تعالى، فالامتحان سيكون أصعب.لأن الله تعالى يختبر الناس بطرق مختلفة. كان له مع الحياة ومع اختباراتها شأن آخر.
الاختبار الآخر هو الرضا: ورد عن رسول الله ﷺقوله: “لو ان لابن ادم واديا من ذهب احب ان يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب” . الرضا مقام صعب عند الإنسان، فليس الفقير والمحروم والمريض هو الوحيد غير الراض بحياته، بل حتى الغني الثري قد يغمض عينيه عن كل ما لديه وتبقى عينه وقلبه معلقان بطمع على من لديه أكثر منه.
والإنسان هلوع بطبيعته، تهزه الأحداث بشكل سريع، ومنوع لا يشكر النعمة، وبتعبير أحد الشعراء
يطلب الإنسان في الصيف الشتا حتى إذا جاء الشتاء أنكره..
ليس يرضي الإنسان حالا واحدة قتل الإنسان ما أكفره
لذلك النبي ﷺ حتى يحمينا من هذه الحالة يقول، ” انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم “، كما يقال أن شخصاً حافياً ظل يشتكي ألم قدميه لعدم امتلاكه لحذاء، حتى رأى شخص بدون اقدام فرضي .
ورد عن النبي ﷺ : “ليس الغنى كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس “.
عندما تكون النفس غنية بالله تعالى، فهي لا تحتاج إلى شيء آخر، “ما رأيت إلا جميلا“، مقطع قصير، ولكنه يعبر عن فكر عقائدي عظيم حملته ابنة أمير المؤمنين أي ما رأيت في كربلاء، في عاشوراء، في كل ما حصل إلا جميلاً، هي لم تقل رأيت جميلا، حتى يحتمل أنها قد رأت أموراً جميلة وأخرى مؤلمة، بل استعملت أسلوب الحصر، فقالت : “ما رأيت إلا جميلا“، أي لم تر فيه أي ناحية فيها قبح، بل كل ما رأته بتفاصيله، كان يمثل الجمال في مرآة سيدتنا العقيلة زينب .
هذا البيان منها نفهم أنه دلالة على جمال علاقتها بالله تعالى، ولكنه من جهة عقائدية تبرز عقيدة اختلف فيها عامة الناس لفترة طويلة، وهي عقيدة الجبر والاختيار، ونسبة الفعل إلى الله تعالى، أو إلى الإنسان. فأظهرت أن كل مشهد له وجهان ولونان: وجهة إلهية دائماً جميلة، ووجهة بشرية تتناسب مع الحدث،
هذا أمر وبحث إلهي يعد من العلم اللدني، لم يكن سهل الفهم في ذلك الزمان. لأنه في ذاك الوقت كان موضوع الجبر والاختيار من المسائل التي لم تحل في قلوب الناس ( ما دام الحسين قد قتل، فإن الله قد كتب ذلك، وما يكتبه الله فهو يرضى به، وما دام كتب لغيره النصر فقد رضي الله بنصرهم).
لكن السيدة العقيلة كسرت هذه المقولة الشيطانية، لأنها العالمة غير المعلمة والفهمة غير المفهمة، لم نر في التاريخ كلام لأحد غير معصوم، من أي طائفة أنه سئل عن حدث وأعطى لهذا الحدث نظرتين وطابعين متخالفين تماما. لأن هذا المنطق في ذاك الزمن لم يكن معروفاً، ومهضوماً ومستوعباً، بل بالعكس فقد ظهر وقتها بحث وجدلية الجبر والتفويض، حينما أتى الأشاعرة وقالوا بالجبر، أي أن الله تعالى كما انه خلق الإنسان فقد خلق الأفعال ، وأطلق عليهم بالجبرية ،
وفي مقابلهم ظهر المعتزلة الذين عرفوا بالقول بالتفويض، وهم نخبة طوائف المسلمين المتضلعين في العقليات والعقائد وأسسوا علم الكلام.
ولكن السيدة زينب أظهرت علماً من أهل بيت العلم، بينت فيه أن الله لا يجبر على الفعل، بل هو اختيار الإنسان نفسه ،
زينب جوهرة أمير المؤمنين حاملة علمه اللدني، ورسوله في إيصاله إلى الناس، وكذلك أوصلت لهم جوهرة أخرى من جواهر أمير المؤمنين وهو الصبر فأمير المؤمنين الذي قال :” صبرت وفي الحلق شجى وفي العين قذى ” .
ورثت العقيلة زينب هذا الصبر، فكان تجرع الآلام العظمى في كربلاء، ابتداءً من الطفل الرضيع البريء المذبوح، إلى القاسم بن الحسن الشاب في أول انفتاحه على الدنيا، إلى علي الأكبر الشبيه برسول الله ﷺ إلى قمر الهاشميين، إلى ولديها عون وجعفر، وصولا إلى الجريمة التي اهتز لها عرش الله قتل الحسين قرة عينها .كلها تعطي مؤشرات عجيبة من الثقل الروحي الذي تتمتع به عقيلة الهاشميين .
لكن مع كل هذه القوى الروحية للعقيلة زينب ، فماذا عن قواها البدنية ، والقلب قد كسر بكسر فقد صرح الإمام ة ، وطود العباس والصفوة المؤمنين .
زينب بعد انتهاء يوم عاشوراء، ما كانت تملك من قواها البدنية شيئاً، فأدت الصلاة ليلة الحادي عشر من جلوس، وفي جلوسها أعطت كل التعابير، هذا الارتباط بالله هو أساس وجودها، فحتى لو انكسر القلب، وفجع بحجم ما جرى، حتى لو جمدت العين برؤية أشلاء الأحباب، يبقى الله هو البديع الذي لم نر منه إلا جميلا. إعجاز السيدة زينب أنها صنعت من المُثُل والفضائل واقعاً ، كيف نرى الجمال في المصيبة ، ومصيبة بحجم كربلاء ،
والحمد لله رب العالمين
زر الذهاب إلى الأعلى