الكرامة الحسينية
هشاشة النفس ونماذح من المعالجة القرانية لها – ٥ محرم
وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ – هشاشة النفس ونماذح من المعالجة القرانية لها – ٥ محرم
عناصر الحديث
• أحد أهم الأسباب لاختيار طريق الباطل هو عدم فهم الإنسان لقوانين الحياة،
▪️وفي الغالب هو يعلم بهذه القوانين لكن العلم بالشيء هو غير فهمه. وهذا الحال يؤدي لحالة من الهشاشة النفسية
• المعالجة النفسية لهشاشة النفس: الاعتراف بالمرض، ترك فرصة للنفس لتقوية جهازها المناعي، تغيير النظارة .
• نماذج من المعالجة القرانية لهشاشة النفس:
• بيان أن البلاء سنة الحياة، وسبيل لتنمية النفس بخوض التجارب (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)، مقابل هشاشة النفس وضعفها .
• تأكيد القران أن الإنسان هو روح بالدرجة الأولى قد ألبست جسداً لضرورة تواجدها في الحياة الدنيا
• إعطاء نماذج لتثبيت النفس كالإنفاق في سبيل الله
قال الله تعالى : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
يا دهر أُفٍّ لك من خليلِ كم لك بالإشراق والأصيلِ
وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ وإنما الأمرُ إلى الجليلِ
من الصعب أن يتخيل الموالي حال الإمام الحسين وهو يقرأ هذه الأبيات ليل عاشوراء وقد أيقن بهلاك نحو ثلاثين ألفاً من الناس الذين قد جاءوا لقتله.
لماذا يختار الإنسان طريق الباطل وقد يسر الله له كل الأمور برحمته الواسعة ليختار طريق الحق.؟
أحد أهم الأسباب هو عدم فهم الإنسان لقوانين الحياة، وفي الغالب هو يعرف هذه القوانين لكن حفظ الإنسان لها هو غير فهمها . فهناك فرق بين النظرية والتطبيق، وبين الحكمة النظرية والحكمة العملية .
من عبد العجل من قوم موسى كانوا يعلمون بأن الله تعالى هو خالق الكون الذي نفذت قدرته ورحمته في كل تفاصيله، لكنهم لم يفهموا ذلك فتقبلوا عبادة العجل.
الذين خالفوا وصية رسول الله ﷺ كانوا يعلمون بالوصية، لكن لم يفهموا معناها ومضمونها الثقيل الذي يوزن بالنبوة ، ولعلهم لم يفهموا النبوة، فالفهم بالشيء غير العلم به.
وهذا ما كانت تؤكد عليه جميع رسالات الأنبياء ، وأكد عليه النبي ﷺ حينما جاءه الرجل من البادية طالباً من رسول الله ﷺ أن يعلمه القرآن وعندما سمع الآية ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره “، قال هذا يكفيني ثم رجع فقال النبي ﷺ: انصرف الرجل وهو فقيه ، “ ، لأن الفقه ليس فقط في معرفة الأحكام، بل هي حالة التنبه والبصيرة في القلب
فالعلم بالشيء يستقر على السطح، بينما فهم هذا الشيء يحتاج إلى عمق أكثر، وسعة روح أكبر ، وهو مفهوم التزكية وتنمية النفس من قوله تعالى: “قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها “
أمام هذه الآية، نحن أمام لفظين متعلقين بالنفس التزكية والتدسية، “أفلح من زكاها” يعني نماها وسعها، وخاب من دساها ، أي ضيقها ودفنها .
كل انسان قد أُعطى نموذج للنفس قابل للتمدد، وبمقدار سعي الإنسان أن يمدد هذه النفس “فأولئك هم المفلحون“، “يا كميل ان هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها.“
ولا شك أن تعبيرات (أفلح من زكاها، خيرها أوعاها،) تعني ضرورة تعميق وجود النفس، ودعوة للإنسان أن لا يكتفي بالقشر، وهذا قانون أساسي للحياة نحتاج إلى فهمه أكثر من العلم به، وإلا ستكون النفس هشة معرضة للانكسار في أي وقت، أو ريشة في مهب الريح، كما يعبر القرآن عن أعمال العاصين يوم القيامة، ( أعمالهم كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف) وهو له نماذج كثيرة، بعضها كان الكلام فيها سابقاً أعرضها إجمالاً.
-
رغم أن هناك تنبيه دائماً على التركيز على الهدف، وعدم الضياع في وسط الطريق، ولكن غالباً ما يقف الغافل وسط الطريق، ليجمع تارة، ويتفاخر بما يجمع تارة أخرى، وهناك حكايات تروى تمثيلاً لهذا للحال، كقصة من دخل قاعة السلطان ساعات ليجمع ما يشاء فلما انقضى الوقت وفتح الباب وإذا به نائم لم ينتبه إلى الموعد، وقد أضاع فرصة الخير الكبيرة التي قد أتيحت له.
-
رغم أن هناك تحذير من الاغترار والانخداع بالدنيا، والتحذير من عداوة النفس، ولكن في الغالب لا ينتبه الغافل إلى ذلك، كالأم التي تطعم طفلها الصغير، وهي مشدوهة البال في النظر إلى مقطع في التلفزيون، ونتيجة لغفلتها الشديدة فالملعقة تضرب وجهه يميناً وشمالاً دون أن تصيب الهدف وهو فم الطفل ،
-
رغم ان هناك تنبيهات على التفكير كأساس يبني عليه الإنسان أفكاره وأعماله، ولكن غالباً الغافل حينما يرى نتائج فشله، يعطي تبريرات لأعماله ويخضع للعقل الجمعي .
-
رغم أن هناك تركيز على المعرفة كأساس لوجود الإنسان، لكن الغافل في الغالب يركز على المشاعر وهي التي تقوده، ويمكن طرج تبني القضية الحسينية من الجانب العاطفي فقط كمثال على ذلك .
إذاً، ما لم تُعالج أصل رؤية الإنسان لحياته، لن يستطيع أن يذوق الحياة الطيبة وإن كان يتمناها، ويعلم أنها في اتباع سبيل النبي ﷺ واله ،
من اعتزل نصرة الإمام الحسين هم من يخشى التجارب ويرفض البلاء والمواقف الصعبة، بل لا يملكون القدرة للتكيف معه، فكانت النتيجة أن نفوسهم عاشت مرحلة طفولة روحية دائمة، فقد وقفت معارفهم على العلم بالشيء دون فهمه. وخطورة هذه المرحلة أنها ليست في مرحلة الأمان، لأنها مرحلة هشاشة للنفس يمكن تنكسر وتسقط في أي وقت، فتهوي بالإنسان إلى وادٍ سحيق..
هذه الآية تتحدث عن حالات للنفس الإنسانية، يقارن القرآن الكريم بين حالتين للروح الأولى حالة ثابتة وأخرى مهزوزة ، يطرح هذا المعنى بشكل مثل ثم يعرض سؤال يطلب من السامع أن يحكم:
الحالة الاولى ثابتة: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم ( الحالة الثانية ) مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
فالصورة المقابلة للتثبيت هي أن يكون الإنسان واقفاً على حافة، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فتأتيه الفتنة فينهار، فهي حالة نفسية ضعيفة مهزوزة، تتقاذفها من جهة أحوال الزمان والأحداث يميناً وشمالاً، ومن جهة أخرى تتصادم مع رغباتها، فهي مترددة لا تتمكن من اتخاذ أية قرارات حاسمة في حياتها، وهذه الحالة يمكن أن تشخص كمرض نفسي يسمى بالهشاشة النفسية،
فكما أن هناك مرض هشاشة العظام، يتم تشخيصه حينما تنزل نسبة الكالسيوم في العظام إلى أدنى درجاتها، ومن نتائج ذلك أن يشعر المريض بوهن في بدنه أولاً، ثم أنه مُعرَّض لكسور قوية عند أدنى سقوط.
ففي المقابل هناك الهشاشة النفسية، وهو من المصطلحات الحديثة في علم النفس، وتُعرّف بأنها شكل من أشكال الاضطراب النفسي، عبارة عن حالة من الرقّة النفسية المبالغ فيها التي تظهر بسرعة الانكسار في مواجهة التحديات المختلفة،
فالشخص الذي يعاني من الهشاشة النفسية يرى معظم التحديات تهديدًا لحياته، لا أنها جزءًا طبيعياً من حياته، وموقف استثنائي من تجارب الحياة يحتاج لإجراءات استثنائية.
وحينما يقع في مشكلة، يشعر أن مشكلته هي أكبر من قدرته على التحمل، فيسيطر عليه الشعور بالعجز والانهيار، وتشعر النفس في موقف بسيط جداً أنها مكسورة، وقد تعرضت لتنمر من الآخرين،
فتميل إلى تضخيم أي مشكلة تظهر في حياتها إلى درجة تصويرها ككارثة وجودية، ويظل يصفها بألفاظ سلبية مبالغ فيها لا تساوي حجمها في الحقيقة، وإنما هي أوصاف زائدة لا وجود لها إلا في مخيلته، فيزيد ألمه وتتعاظم معاناته، وينتج عن ذلك أن يغرق في الشعور بالتحطم الروحي، والإحساس بالضياع، وفقدان القدرة على المقاومة تمامًا، مما يجعله يستسلم لألمه.
ويمكن وصف هذا النوع من الناس بـ ( رقائق الثلج)، وليس بالضرورة أن يكون صاحب هذه الشخصية متوتراً، بل بالعكس يمكن أن يظهر تمام التوازن، ومن هذه النماذج يتشكل مجتمع مهزوز.
والمهم كيف تُعالج مثل هذه النفسيات،
أولا: هناك أسس لعلاج أي مرض نفسي:
1- الاعتراف بالمرض: غالبا إذا كان الإنسان يعاني من مرض في بدنه، فسوف يسارع لطلب العلاج، إذا عرف مثلاً أن ضيق التنفس الذي يعاني منه مظهر قد يكون سببه حساسية في الصدر مثل الربو ، أو إلتهاب أو ضعف في عضلات القلب، أو انسداد في الشرايين، سوف يبادر للعلاج.
كذلك إذا رأى نفسه في حالة توتر دائم عند أي مشكلة وأنه يميل إلى الابتعاد وعدم المواجهة أو أنه دائما يستعين بغيره في حل مشاكله، كالطفل الذي يحتمي بوالده فهذه أعراض مرض يجب أن يعالج.
وكما انه لا يحبذ استعمال المضاد الحيوي دائماً، بل يجب ترك فرصة للجسم لتقوية جهازه المناعي ليقاوم الأمراض بنفسه، كذلك لا ينبغي للمبادرة قدر الإمكان إلى طلب المساعدة من الاخرين في أقل مشكلة، بل يدع للنفس مجال لحلها، ويحصر اللجوء إلى الغير في حل المشاكل الصعبة فقط.
-
الخطوة الثانية: تغيير النظارة : من يرى ذبابة من خلال ميكروسكوب سوف يشعر بالرعب منها، لكنه حينما يعلم أنه يراها من خلال منظار مبالغ في حجمها سوف ينتبه، كذلك من يرى نفسه يتوتر عند أي مشكلة ويسارع لطلب المساعدة في المواجهة ، يعلم أن المشكلة في نظرته هو للأمور، لذلك في الروايات توصيات بالصمت عند الغضب وعدم المبادرة للرد حتى تهدأ النفس.